قال حسن طارق في تدوينة له على الفيسبوك، "ما سيحتفظ به التاريخ، بعد ملحمة الشامتين الصغار، هو أن بنكيران زعيم وطني كبير دافع بشرف عن مؤسسة رئاسة الحكومة، وعن الشرعية الانتخابية والقرار الحزبي المستقل، كان من السهولة أن يكون مثل الآخرين المتشابهين، لكنه فضل كبرياء الشعب".
لم يثرني في هذه التدوينة للكاتب العام السابق للشبيبة الاتحادية والبرلماني الاتحادي السابق أيضا سوى وصف الزعيم الإسلامي بالزعيم الوطني الكبير.
الزعيم الوطني الكبير صورة أكبر من بنكيران وجلباب لا يليق بمقاسه. فالزعيم الوطني الكبير هو المناضل الذي يقود معارك شرسة من أجل الشعب ومطالبه وكرامته. هو الشخص الذي يتم امتحانه في اللحظات الحرجة ولا يرسب في السؤال الأول.
بكل المعايير بنكيران لم يكن سوى داعية، من الدرجة الثالثة أي يعتلي المنابر ليسرد كلمات من كتاب مدارج السالكين لابن القيم الجوزية، كاتبه المفضل كما صرح بذلك في برنامج ميزونكور لحميد برادة، وعاد أخيرا ليعترف بأن نموذجه في الاعتقاد هو بن تيمية أكبر موسوعة تكفيرية في التاريخ الإسلامي.
الممارسة السياسية ورفع مطالب هنا وهناك ليست سوى لوازم الطريق بالنسبة لرجل دعوة فكر ذات يوم بفك الحصار عنه عن طريق الممارسة السياسية.
متى عارك بنكيران الظلم والاستبداد؟ ولا مرة واحدة بل كان نصيرا لهما. يوم كان المناضلون، ومنهم مناضلو الاتحاد الاشتراكي يكتوون بنار الرصاص والقمع، كان "الزعيم الوطني الكبير" يبعث رسالة إلى الوزير القوي في الداخلية إدريس البصري، الذي كان يوظف الجماعات الإسلامية في ضرب اليسار والمناضلين التقدميين.
يقول بنكيران في هذه الرسالة "معالي الوزير، إن كثيرا من الشباب تهفو قلوبهم إلى الانتساب إلى جمعيتنا والعمل في إطارها المعتدل السليم إن شاء الله، ولكن ما وقع علينا من حظر من طرف السلطات المحلية في صيف 1984 وتوقيف أنشطتنا العامة في مركز الجمعية يحول دون التحاقهم بنا مما يؤدي ببعضهم إلى الانحراف والتطرف، وإننا نأمل أن تتداركنا عناية الله على يدكم فيسمح لنا من جديد بممارسة نشاطنا والاستمرار في القيام بواجبنا في الدعوة. ومن الواجب في رأينا أن يقوم بين المسؤولين والدعاة تعاون قوي لما فيه خير بلادنا. أما النزاع والشقاق فلا يستفيد منه إلا أعداء الدين وأعداء الوطن. وإن الشباب المتدين لما أكرمه الله به من ورع وصلاح حسب ما نعلمه عنه مؤهل لخدمة دينه وبلده أفضل الخدمات، وأن أفضل وسيلة ـ في نظرنا ـ لقطع طريق على من يريد سوءا ببلدنا ومقدساته هي فتح المجال أمام الدعاة المخلصين الذين يعتبرون أن من واجبهم إرشاد الشباب وتقويم أي انحراف يغذيه أصحاب الأغراض والأهواء".
وختم بنكيران الرسالة بتوقيع "الخادم المطيع والداعي لكم بالصلاح والتوفيق في كل حين
عبد الإله بنكيران". كيف لمن كان يتمنى أن يكون خادما مطيعا للبصري أن يكون زعيما وطنيا وهو اللقب الذي ناله أمثال المهدي بنبركة وعلال الفاسي وامحمد بوستة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي؟
قلت إن الدفاع عن المطالب ليس سوى من لوازم الطريق ولم أكن مبالغا في ذلك، لأن هذه اللغة التي يتحدث بها بنكيران اليوم لم يكن يتحدث بها بالأمس، حيث لم يكن همه الدفاع عن قضايا المواطنين، حتى وهو يمثل الناخبين في مجلس النواب. بل كان همه هو تي شورت أمينة خباب، كاميرامان القناة الثانية التي كانت تحمل كاميرا وزنها 14 كيلوغراما. لم يهتم بها وهي تتصبب عرقا ولا بحقوقها ولا بوضعها ولكن اهتم بلباسها. طبعا هو رجل داعية.
ثم إننا لا نجد له أي بصمة في الدفاع عن مؤسسة رئاسة الحكومة، إن لم يكن قد نزل بها أسفل سافلين. أليس هو من قال إنه لم يأت لمنازعة الصلاحيات، مع العلم أن الصلاحيات منحة من الدستور؟ أم أن المقصود هو أنه لم يستجب لاشتراطات، بتعبير بيان البيجيدي، التجمع الوطني للأحرار؟
كون بنكيران رفض دخول هذا وخروج ذاك هي جزء من اللعبة ولا تحسب شطارة بله أن تكون عنصر مقاومة. فالرجل تخلى عن حزب الاستقلال في أول منعطف. دون أن ننسى أن الجهة التي يقول إنها تدفع أخنوش لعرقلة تشكيل الحكومة قد تكون هي نفسها التي أنقذت حكومته من السقوط بعد انسحاب حزب الاستقلال عقب انتخاب حميد شباط أمينا عاما.
نعم لن يكون بنكيران مثل الآخرين لأنه لا يشبههم في شيء ولا يشترك معهم في تاريخ النضال وكل ما يقوله عن مقاومته للاستبداد هي مجرد محاولات بائسة ويائسة لتزوير التاريخ. الرجل سقط على التاريخ السياسي فأصبحت شعارات الدفاع عن الشعب واختياراته من لوازم الطريق.
صاحب المقال : فارس محمد