إدريس بنيعقوب*
قد يغضب الإخوة في حزب العدالة والتنمية، وقد يسخرون منا كما سخروا من قبل من كل الذين انتقدوا الأداء التفاوضي للأمين العام لحزبهم السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المكلف بتشكيلها، عندما نوجه له المؤاخذة على كونه ضيق الصدر في التفاوض وقليل الصبر وسريع الانفعال والرد، وضعيف القدرة على الاحتفاظ بسرية التداول والتشاور بشأن إنشاء حكومة المملكة المغربية العريقة، بل يسعى من حين إلى آخر إلى فضح بعض مفاوضيه في تناقض كبير مع المرجعية الأخلاقية التي يحيل عليها من حين إلى آخر، فأصبح كالذي جاءته الآيات فانسلخ عنها، معطيا بذلك مؤشرا قويا على شخصيته المتقلبة والمتشددة في قبول الاختلاف والقابلة لإفشاء أسرار المجالس وتصوراتها، أقرب إلى ثقافة التخابر منها إلى عملية الإخبار.
التفاوض قبل أن يكون علما يختلط فيه التاريخي بالنفسي، الاجتماعي بالسياسي والاقتصادي، أي بمعنى التوفر على un savoir faire هو أيضا فن وذوق وخلق رفيع un savoir être، يتمحور بالأساس على القدرة واللباقة والاستعداد النفسي للإقناع وللإنصات والاقتناع، بدون ردود فعل نفسية تصغر الشركاء، وتسفههم أحيانا، في إخلال واضح بالإرادة المعبر عنها للعيش المشترك.
إذا أعدنا النظر في مسيرة التفاوض حول الحكومة، نجد أنه منذ البداية تعامل باقي الشركاء مع بنكيران انطلاقا من قواعد اللعبة التي حددها هو وحزبه من خلال الإطار الذي وضعه لتشكيل الحكومة، وأنه في آخر المطاف أصبح حبيسا لهذه القواعد بل وضحية لها.
منذ البداية، كان موقف عبد الإله بنكيران رافضا لإمكانية التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، بل رافضا أي تقارب مع أمينه العام إلياس العماري، الذي اختزل فيه بشكل حصري ونهائي مفهوم التحكم والتسلط على باقي الفاعلين السياسيين وعلى المشهد السياسي ككل، ليجد نفسه أمام شخص آخر وحزب آخر له قدرة على توجيه قراراته التحالفية.
في المقابل تبنى الفريق الآخر بزعامة رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، القاعدة نفسها، معبرا عن رفضه للتحالف مع حزب الاستقلال لأسبابه الخاصة، وعن حريته طبقا لروح الديمقراطية في التحالف مع من يشاء.
القاعدة الثانية هي إعلان بنكيران تشبثه بحزب التقدم والاشتراكية رغم حصوله على عدد قليل من المقاعد، ليكرس قاعدة الحفاظ على حليف كيفما كان حجمه التمثيلي من باب الوفاء، وكيفما كان منتوجه السياسي، ليواجهه باقي الشركاء المحتملين بزعامة أخنوش بقاعدة اللعب نفسها، والتمسك بالاتحاد الاشتراكي، الذي لم يستطع بنكيران أن يميز في التعامل معه بين الحزب التاريخي وبين كاتبه الأول إدريس لشكر.
في التفاوض السياسي لا يهم أن تكون إرادة الشريك حرة ونابعة من قناعاته، أو أُمليت عليه بفعل قوى غير ظاهرة، بقدر ما تهم القدرة على تدبير التناقضات ومختلف البروفيلات المتفاوض معها للوصول إلى نتيجة، بعد التعرف العميق على ميكانيزمات اشتغال عقليتها السياسية بسلبياتها وإيجابياتها، بعيدا عن العناد الشخصي الذي يعبر عن أمراض أنتجتها بيئة النشأة الاجتماعية والسياسية.
هذه الثقافة لا تمت إلى قواعد التفاوض في شيء، بل مصدرها الوحيد هو ثقافة الأستاذية التي يريد بعض قياديي حزب العدالة والتنمية تقمصها لتصحيح ما يعتبرونه أخطاء للشركاء، وهي في عمقها لا تبتعد كثيرا عن العقلية الفرعونية التي تدعي أنه ليس للناس رؤية إلا ما تراه لهم، وليس لهم طريقا للهدى إلا ما ترشدهم لها !!
*باحث في علم الاجتماع السياسي