بقلم: سناء العاجي
… وفي حالات الركود القصوى، يحدث أن يأتينا خبر شجاع وغير متوقع ليبعث الأمل في غد مختلف. في حالات اليأس والاختناق، يحدث أن يفاجئنا قاض باعتماده، ليس فقط على القوانين، بل أيضا على المرجعيات الدولية لحقوق الطفل… هذا ما حدث في طنجة نهاية يناير المنصرم، حيث أصدر قاض قرارا يعترف ببنوة طفلة لأبيها، علما أن هذه الطفلة ولدت خارج فراش الزوجية. كما منح نفس الحكم تعويضا للأم على أساس التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تتعرض له بسبب وضعيتها كأم عازبة.
هذا القرار الاسثنائي يعد سابقة شجاعة في تاريخ القضاء المغربي: إذا كنا نقصد فعلا حماية مصالح الطفل خارج مواقفنا وتصوراتنا المجتمعية والدينية، فإن حق الطفل الطبيعي هو السماح له بعيشة كريمة لا يتحمل فيها مسؤولية ظروف مجيئه للعالم.
هذا القرار الشجاع يجب أن يدعونا للتفكير مجددا في علاقتنا بموضوع الأمهات العازبات وبأطفالهن. مجتمعيا، غالبا ما نتدثر بعديد المواقف السلبية اتجاه الأم العازبة وطفلها. بالمقابل، فلا أحد يسائل الأب. فهل المنع الديني والقانوني للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج يخصان النساء فقط؟ إذا كنا نعتبر هذه العلاقات عيبا أو حراما، فهي بالضرورة قامت بين اثنين حتى لو كانت علاماتها (افتضاض البكارة والحمل) لا تظهر إلا لدى طرف واحد.
لنتأمل كيف أننا نوجد أمام أم قررت أن تحتفظ بابنها وأن تكافح لكي توفر له ظروف عيش كريمة؛ وأمام أب يعرف في أغلب الحالات بوقوع الحمل وبوجود الطفل، لكنه يختار عن وعي التخلي عنهما. هذا الشخص الذي يراكم المواقف السلبية، نحن لا نحمله أية مسؤولية؛ لمجرد أنه رجل وأنه، جسديا، لا يحمل تبعات “الخطيئة”.
من ناحية أخرى، فهذا الطفل لم يختر ظروف مجيئه للكون. لم يقرر إن كان أبواه متزوجان أم لا. مسلمان أم لا. مغربيان أم لا… لكننا نحمله ثمن الخطيئة. بل أفظع من ذلك، هناك اليوم في المغرب مجموعة من الوظائف القانونية والأمنية التي لا يمكن بتاتا أن يلجها المولودون خارج إطار الزواج. كيف نحملهم مسؤولية فعل هم في الأصل نتيجته، لكي لا نقول ضحيته؟
في الكتاب الذي نشره هشام حذيفة عن النساء في وضعية هشاشة (dos de femmes, dos de mulet)، تطرق الكاتب في أحد التحقيقات لوضعية النساء القاصرات اللواتي يتم تزويجهن في مناطق عديدة من المغرب بقراءة الفاتحة فقط، واللواتي يتم في أحيان كثيرة التخلي عنهن بعد الإنجاب، ليجدن أنفسهن في وضعية أمهات عازبات؛ ولينشأ الأبناء بدون وثائق ثبوتية، محرومين من العديد من الحقوق (التعليم، الإرث، إلخ). دون الحديث عن دور الدولة هنا وعن ظروف الفقر والهشاشة، ألا ننتبه أن المرأة تبقى دائما ضحية، سواء تعلق الأمر بزواج بالفاتحة تباركه العائلة، أو بعلاقة رضائية، أو حتى باغتصاب ينتج عنه حمل؟
ألا ننتبه أن الأطراف الأكثر هشاشة (الأم والطفل) هي من تتحمل التبعات المجتمعية والقانونية؟ وأخيرا، ألا ننتبه أننا ننزعج كثيرا من علاقة جنسية رضائية ولا ننزعج من زواج بالفاتحة تقرره الأسرة في حق طفلة قاصر لتضيع به حقوقها وحقوق أبنائها، علما أن الأمر في كلتا الحالتين هو… علاقة جنسية خارج الإطار القانوني للزواج؟