هل ما يجري الآن في الحياة السياسية في المغرب، تمرين صحي في الممارسة الديموقراطية، أم هو فصل جديد من الانتظارية وتضييع الوقت دونما نتيجة مرجوة؟
الجواب عن هذا السؤال صعب جدا لاعتبارات عدة أهمها عدم وضوح قواعد اللعب، والمصرح به فيها يخفي أشياء كثيرة…
لا يمكن الاستهانة بآثار تأخر تشكيل الحكومة، وتأثير ذلك في اقتصاد البلاد، وأيضا في صورة المغرب في الخارج. هذا أمر أظن أنه لااختلاف حوله.
لقد وصلنا إلى اليوم المائة والثمانية والأربعين على تكليف أمين عام حزب «العدالة والتنمية» بتشكيل الحكومة، ولم يظهر لهذه الأخيرة أثر… تعيين عبد الإله بن كيران خضع لمنطوق الدستور ولروح الديموقراطية، إلا أن ما حدث منذئذ، يسائل المنظومة السياسية في البلاد برمتها، لأن هذا التأخر لا ضرورة له وفيه الكثير من العبث…
تأثير تأخر تشكيل الحكومة في المستوى الداخلي كبير جدا، على الرغم من سير الأمور بشكل عادي في مظهره. أولى نتائج هذا التأخر نفسية بالدرجة الأولى، يتمثل في تعمق مناخ عدم ثقة المواطنين في المؤسسات وفي الممارسة السياسية بصفة عامة. هو عدم ثقة يتمظهر في عزوف نسبة كبيرة من المغاربة عن العملية الانتخابية، وعزوف عن الانخراط في الحياة السياسية/ الحزبية، التي هي عصب الممارسة الديموقراطية.
ثانية النتائج مرتبطة بالجانب الاقتصادي. الحياة الاقتصادية في المغرب اليوم متأزمة. تأخر تشكيل الحكومة معناه توقف الاستثمار العمومي، وأيضا تسرب جو عدم الثقة الذي لا يخفى ما يكون له من أثر في الاستثمار الخاص، الخارجي منه على الخصوص…
أما أخطر النتائج فتلك المرتبطة بالجانب الاجتماعي. المغرب يتخبط في عدة مشاكل اجتماعية عويصة تتطلب استراتيجية حكومية مدروسة بعقلانية، وتتطلب التحرك بسرعة قصوى. غياب الحكومة معناه ترك تلك المشاكل تتفاقم، مع العلم أن بعض تلك المشاكل وصلت إلى حد لا يطاق، خصوصا في ثالوث التعليم والصحة والتشغيل، الذي بلغت فيه الأزمة مستوى الفشل.
أما على المستوى الخارجي، فالمغرب الذي ينهج سياسة خارجية تقوم على رسم مسارات جديدة، غير تلك التقليدية التي كان ينهجها، في حاجة إلى حكومة قوية لتنفيذ خطته ولتدبر التزاماته…
كل هذه الأمور، والتحديات التي تنتظر المغرب، تدفعنا إلى التساؤل: هل نحن اليوم أمام مجتمع سياسي/ حزبي يعي مسؤولياته؟ هذا السؤال يجد مشروعيته من خلال النقاش الدائر بين الأحزاب المغربية اليوم بخصوص تشكيل الحكومة. في الديموقراطيات الحقة يتمحور النقاش السياسي حول قضايا وحول مشاريع. أما الذي يجري عندنا فينحصر في من يتحكم في السلطة التنفيذية في البلاد لا غير. وهذا أمر خطير يجعل المغاربة يقتنعون بكون النخب السياسية المغربية الحالية فقدت البوصلة وفي طريق إخلاف الوعد مع لحظة تاريخية مصيرية…
بقلم حكيم بلمداحي