حاورته سكينة بنزين
تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، تنطلق سجالات فيسبوكية تكرر نفسها سنويا في اتجاه يعمق الهوة بين “فصيلين”، يحاول كل واحد منهما التمسك بقناعاته حول نتيجة العلاقة التي تجمع المرأة بالدين، حيث يرى البعض أن الإسلام كرم المرأة عندما خصها بعدد من الأحكام، بينما يرى البعض أن الدين زاد من تعميق النظرة الدونية للمرأة، وحجتهم في ذلك استحضار عدد من روايات التراث الإسلامي.
في الحوار التالي تسليط للضوء من الباحث في الشأن الديني، محمد عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص، على بعض المعطيات التي أفرزت هذه الضبابية حول مكانة المرأة في الإسلام.
كيف يمكن الحديث عن فكرة تكريم المرأة المسلمة، في ظل وجود أحاديث تتحدث عنها كناقصة عقل ودين، أو تقصيها من بعض المناصب، بل هناك بعض المرويات التي تفصل في طريقة ضربها؟
يمكن ذلك طبعا حين نفرق بين الإسلام الأصلي الخالص، وإسلام الروايات والفقه المتأثر والمحتك بالسياقات الاجتماعية والسياسية، الإسلام الأصلي انطلق في بيئة مهينة للمرأة لدرجة الاحتقار الشديد، كانت المرأة متاعا تورث كسائر الأملاك، وكانت تقتل خشية العار، ولم يكن لها رأي ولا قرار، فوضع التغييرات التي جاء بها الإسلام بخصوص المرأة في سياقها التاريخي يجعلنا غير مبالغين اذا تحدثنا عن ثورة حقيقية على مستوى المفاهيم والممارسة.
المرأة زمن انبعاث الإسلام أصبحت شخصية مستقلة لها حقوق وعليها واجبات والتزامات، أصبحت شريكة وشقيقة للرجل في الأحكام، أصبح رأيها معتبرا في أدق ظروف السياسة والحرب، أصبحت متعلمة وأديبة وفقيهة، فحظيت بأدوار سياسية واجتماعية لم يكن لها عهد سابق بها، فهي ثورة إذن كان من المفروض أن تتطور وتستمر عملا بروح هذه الثورة.
لكن الذي حصل أن النكسة السياسية التي عرفها التاريخ الإسلامي انعكست بدور كبير على المرأة وأدوارها في الحياة، و عرف وضع المرأة انحدارا وتأثرا بهذه النكسة، ومع دخول عصور الانحطاط ازداد الأمر سوءا واستغلت مثل هذه الرويات لتبرير الاضطهاد والظلم الذي تعرضت له المرأة.
الروايات المنتقصة من المرأة لا يمكن قبولها ولا التعامل معها لأنها مخالفة للأصول الكبرى التي جاء بها الاسلام، وان صحت فعلينا التعامل معها في سياقها وأسباب نزولها، حديث ( ناقصات عقل ودين) حتى بالعودة لرواياته واضح جدا أنه كان في سياق الهزل والمزاح، أيتصور أن النبي الكريم بكل اخلاقه الحميدة يهين المرأة بهذا الوصف يوم العيد وقد كان أحرص ما يكون على ادخال البهجة على الناس في هذا اليوم، وواضح من سياق الرواية إرادة المزح فقد قال بعد ذلك: ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل منكن، لكن فقهاء عصور الانحطاط استغلوا مثل هذه العبارة و قطعوها عن سياقها لتبرير ما مارسوه من اضطهاد تجاه المرأة ، ومثل هذا كثير ، ولذلك لا ينبغي الالتفات لمثل هذه الروايات ولا الوقوف عندها حين تخالف الاصول المحكمة والثابتة في الباب.
إلى أي حد ساهم فهم بعض العلماء في تكريس صورة دونية عن المرأة، حتى أصبح أكثر تأثير من النص الأصلي المتمثل في القرآن؟
للأسف الشديد مارس الفقهاء سلطة ووصاية على الخلق، وسوقوا لفقههم المتأثر بسياقاته والذي كان تحت طلب السلطة أحيانا على أنه الدين الحق، يتحملون مسؤولية كبيرة في تسويق مثل هذا النمط من التفكير المهين للمرأة والمحتقر لها، وفي تأويل نصوص الاسلام الاصلية الصريحة في تكريم المرأة وإعطائها المكانة التي تستحق، وبالمناسبة الاعتراض على مثل هذا الفقه ليس جديدا ، السيدة عائشة أم المؤمنين احتجت وردت على من زعم ان صلاة المصلي تبطل بمرور الكلب والحمار والمرأة، واستنكرت نسبة مثل هذا للنبي عليه السلام، وقالت : ما زدتم على ان شبهتمونا بالكلاب والحمير، لهذا يجب أن نتحلى بالشجاعة في نقد كل المرويات المسيئة للمرأة، بل المسيئة للاسلام نفسه، أيعقل ان ننسب للنبي الكريم قوله: علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه آدب لهم، هذه حديقة حيوان وليست أسرة قائمة على المحبة والمودة والاحترام، دون ممارسة نقد جريء للمرويات والفقهيات المتعلقة بهذا الباب.
لماذا يتم اهمال الدعوة لإعادة قراءة التراث عندما يتعلق الأمر بالمرأة؟
لا أبدا، لا يمكن الحديث عن التنوير ولا عن إعادة قراءة التراث ونقده مالم يكن موضوع المرأة على رأس الأولويات، المرأة أحد أشد النقاط ضعفا في الفقه الاسلامي، والمرأة مادة خصبة لكثرة ما نالها من اضطهاد وأحكام مجحفة ونظرة دونية عبر مختلف العصور خاصة المتأخرة منها، بين يدي عدد من النصوص الفقهية التي يستحي الانسان من نسبتها للفقه الاسلامي مع انها ليست شذوذا ولا استثناء، بل هي عقلية منتشرة في غالب كتب المذاهب، حيث تعامل المرأة كالدابة والمتاع، كل نقد للتراث ودعوة للتنوير يجب أن تنطلق من المرأة.
هل تعتقد أن الأفكار المبسطة التي تتحدث عن تكريم المرأة ستصمد أمام موجة النقد والشك التي يتبناها شباب اليوم؟
لقد بدأت فعلا بالانهيار مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والنيو ميديا، يتحدثون عن تكريم المرأة لكن المنظومة الفقهية التي يتبنونها لا تسعفهم بذلك، هي فقط خطابات تجميلية يبررون بها الواقع الأليم والانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها المرأة، هي محاولة فاشلة لمسايرة واقع حقوق المرأة ومكتسباتها اليوم مع المنظومة الفقهية التي يعضون عليها النواجد، لايخفى ما في ذلك من تناقض وضعف، ولهذا مالم تكن هناك عودة لأصول الإسلام الكبرى ومقاصده وربطها بواقع حقوق الانسان عموما وحقوق المرأة خصوصا فسيؤدي هذا للتشكيك في الاسلام نفسه، وهو ما سينتج مشكلة هوياتية نحن في غنى عنها.