كُل أسبوع تتلقى عهود بنت خلفان الرومي أغرب الطلبات: لا يوافق أهلي على زواجي، هل يمكنك مساعدتي بإقناعهم؟ حصلت على مخالفة مرورية، هل يمكنك التصرُّف فيها؟
وأحياناً تتلقى التماساً وديعاً: أرجوكِ اجعلينا سعداء.
ما سر تلك الطلبات غير الاعتيادية الموجَّهة لهذه المرأة، المدرَّبة لتصبح خبيرة اقتصاد؟ تشغل عهود منصب وزيرة السعادة بالإمارات العربية المتحدة، وهو دور استُحدِثَ العام الماضي عندما كانت هي إحدى خمس سيداتٍ مُعيَّناتٍ في مجلس وزراء الدولة الخليجية، والبالغ أفراده 29 عضواً (ما جعل عدد الوزيرات فيه يصل إلى ثماني نساء).
لكن وظيفة عهود لا تقتضي حلَّ الخلافاتِ العائلية والتطرُّق لشكاوى المستهلكين. فمنصبها، الذي كان من بنات أفكار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ونائب الرئيس ورئيس وزراء الإمارات، يهدف لترويج السعادة والسلوك الإيجابي في الحكومة، وفي الحياة عامةً، بحسب صحيفة "لوس أنجلوس تايمز".
وتقول عهود إن هذا العمل ليس أمراً هزلياً.
قالت في مقابلة أُجرِيَت مؤخراً في دبي، وهي إحدى الإمارات السبع لدولة الإمارات العربية المتحدة: "هذا شأن جاد بالنسبة للحكومة. ما الغرض من الحكومة إن لم يكن العمل في سبيل سعادة الشعب؟ إن واجب الحكومة ودورها هو أن تخلق الظروف المناسبة للناس ليختاروا أن يكونوا سعداء".
وقالت عهود، إن تلك الظروف تتطلب خلق بيئة يشعر فيها الأشخاص بالتمكين، وتوفير بنية تحتية سليمة، وفرص للحصول على تعليم جيد، ووظائف، ورعاية صحية، وضمان شعورهم بالأمان.
وأضافت: "لا ننوي فرض السعادة بصفتنا حكومة، أو جعلها إجبارية، أو نشرها بالإكراه. نحن فقط نفعل الأفضل لصالح الشعب.. حتى يحيا حياةً أفضل".
السعادة أصبحت موضة
قد لا يبدو ذلك المفهوم جديداً. فقد نصَّ إعلانُ استقلال الولايات المتحدة منذ نحو 250 عاماً على السعي لتحقيق السعادة.
لكن فكرة جعل سعادة الشعب مهمةً تُنفِّذها الحكومة ليست مفهوماً عالمياً على الإطلاق. ومع ذلك، يبدو أنه بدأ بالانتشار.
تقدَّمت مملكة بوتان الصغيرة في جبال الهيمالايا تلك المسيرة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما أسَّسَت مؤشر السعادة القومية الإجمالية، والذي يقيس السعادة استناداً إلى الصحة النفسية، والبيئة، والصحة الجسدية، والتعليم، والثقافة، ومستويات المعيشة، والانتفاع بالوقت، وحيوية المجتمع وصلاح الحكم. وفي عام 2013، أنشأت فنزويلا وزارة السعادة الاجتماعية العليا، وعيَّنت الإكوادور وزيراً لـ"buen vivir" أو "العيش الهانئ".
وفي السنوات الأخيرة، أجرت تايلاند والمملكة المتحدة استطلاعاتٍ لقياس سعادة شعوبها، بينما كلَّفت حكوماتٌ أخرى بإجراء تقارير لدراسة فوائد السعادة في صالح التقدُّم العام للبلاد.
ودعت الأمم المتحدة عدداً من أعضائها لزيادة التأكيد على كون السعادة واحدةً من مقاييس التطور الاقتصادي والاجتماعي. وتُصدِر المنظمة الآن تقريراً عن السعادة العالمية، وقد نُشر الإصدار الرابع منه مؤخراً، ويقيِّم 157 دولة من الأسعد (الدنمارك) إلى الأقل سعادة (بوروندي).
وتأتي الإمارات، وهي دولة غنية بالنفط يبلغ عدد سكانها 9 ملايين، في المركز الثامن والعشرين من الترتيب، بينما تأتي الولايات المتحدة في المركز الثالث عشر.
وقال أحد مؤلفي تقرير السعادة، وهو جيفري ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة بمعهد الأرض في جامعة كولومبيا: "تحظى السعادة بالاهتمام الآن، لأن هناك أدلة أفضل وأفضل عن إمكانية قياسها والتأثير بها بطريقة ذات معنى".
وتُعد عهود أول وزيرة للسعادة في العالم، وبالطبع في الشرق الأوسط، وهي منطقة يجهدها العنف وغالباً ما ترتبط بالمعاناة وليس البهجة.
وقالت عهود: "قد يسخر البعض من فكرة رعاية السعادة، معتقدين أنها سخيفة أو حالمة. لكنني أؤكد لكم أنه فرعٌ من فروعِ العلم. ويستند هذا العلم إلى الطب، والصحة، والعلوم الاجتماعية. ونحن نحاول أن ننقله من إطارٍ عام إلى ممارساتٍ يومية في مجتمعنا وفي حكومتنا".
نشر الرسالة
خلال العام الماضي، قالت عهود إن 70 شخصاً على الأقل اتصلوا بها عن طريق تطبيق المحادثة واتساب أو بمكالمات هاتفية إلى مكتبها.
وقالت: "معظم تلك الاتصالات كانت شكاوى بشأن خدماتٍ حكومية. أحياناً ما يظنون أنني مسؤولة الشكاوى في الحكومة، وهذا ليس الدور الذي أقوم به، لكنني أساعدهم".
يضع مكتبها المتصلين، بقدرِ الإمكان، على اتصالٍ بالكيان الحكومي المُختص بشكواهم. وفي أوقات أخرى، ترفع عهود سماعة الهاتف وتجيب عن الأسئلة بنفسها.
واتصلت عهود بالمرأة التي أرادت مساعدتها لإقناع والديها بالموافقة على زوجها.
قالت: "قلت لها: يجب عليك إقناعهما، هذه حياتِك. أنا آسفة، كنت أود مساعدتك، لكن هذا ليس جزءاً من نطاق عملي".
وكانت هناك حالة أخرى لصيادين شعروا بالاستياء بعد أن منعتهم الحكومة من الصيد لمدة أربعة أشهر للسماح لصغار السمك بالنمو. وقالوا إن ذلك القرار يدمِّر سعادتهم".
سألت عهود: "هل هذه هي السعادة التي نريدها؟ نحن نريد السعادة المُستَدَامة. لأنهم سيكونون سعداء بالصيد، لكنهم سيبكون لاحقاً لخسارة مصدر دخلهم لأن السمك لن يكون موجوداً".
وقال عددٌ من سكَّان دبي، عندما سُئلوا بشكلٍ عشوائي، إن وجود وزيرة للسعادة يعجبهم.
وقالت هالة حسين، 27 عاماً: "أظن أنها فكرة جيدة لأن الناس مشغولون بعملهم وحياتهم وروتينهم. ستساعدهم الوزارة للتركيز على أشياء أخرى غير الذهاب للعمل. كما ستجعلهم أكثر إبداعاً واستعداداً لرد الجميل للبلاد".
وقالت أختها سارة، 23 عاماً: "عندما تشعر أن شخصاً ما يهتم بسعادتك، يحرِّك ذلك فيك أيضاً الرغبة في أن تكون سعيداً".
الطريق للبهجة
تبدو عهود سعيدة، وهي محبَّةٌ للموضة كما تصف نفسها يحمل صوتها طاقة مُعدية بينما تشرح دورها كوزيرة.
والحقيقة أنها في البداية كانت قد أقسمت على الابتعاد عن العمل الحكومي.
عهود هي الثانية بين سبعة إخوة، ست منهم بنات. وعمل والدها خلفان محمد الرومي في صف الحكومة لمدة عشرين عاماً بين عدة أدوار، من بينها ثلاثة مناصب وزارية. وتتذكَّر عهود كيف قضى والدها أغلب وقته في العاصمة أبو ظبي، وكان يزور العائلة في موطنهم بإمارة الشارقة فقط في الإجازات الأسبوعية.
وقالت: "رأيت حياته، وكم كانت شاقة. فاتخذت قراراً بألا أنضم للحكومة أبداً".
وبحصولها على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، والماجستير في الإدارة العامة، انضمت إلى غرفة تجارة وصناعة دبي. ومع أنها لا تقول كم عمرها، فإن اسمها ظهر في قائمة المنتدى الاقتصادي العالمي للقادة العالميين الشباب تحت سن الأربعين عاماً في عام 2012.
وأخيراً، لم يمكنها الابتعاد عن الحكومة.
اختيرت عهود للانضمام لبرنامج تدريب القادة الحكوميين المستقبليين. وحصلت على وظيفة مدير السياسة الاقتصادية في المكتب التنفيذي لرئيس الوزراء، ثم قيل لها، في شهر فبراير/شباط عام 2016، إنها ستُعيَّن في مجلس الوزراء.
لم تسأل عهود عن الدور الذي ستقوم به، لأنها كانت سعيدة بالخدمة في أي منصب. لكنها تعترف بأنها ارتبكت قليلاً عندما علمت أن هذا الدور كان وزيرة السعادة.
وتتذكَّر أنها فكرت آنذاك: "ماذا الذي يجب أن أفعله؟".
دوريات السعادة، ضبّاط الإيجابية، وأيام التفاؤل
انطلقت عهود في رحلة حول العالم بحثاً عن الأجوبة، وزارت بوتان والدنمارك بين عدة دول.
وبعد أن تسلَّحت بنصائح من دولٍ أخرى، قادت عهود عدة مبادرات خلال عامها الأول في المنصب.
أجرت عهود استطلاعاً يقيس مشاعر الموظفين بشأن بيئة عملهم. وقدّمت "مقاييس للسعادة" عبر الإنترنت في مكاتب بالمدينة، حيث يمكن للناس تسجيل مدى رضاهم من خلال الضغط على رموز تعبيرية، من بينها وجه مبتسم، وتعبير حيادي، ووجه عابس. وأجرت أيضاً استطلاعاً قومياً للسعادة، ما زالت نتائجه في مرحلة المراجعة والتجميع.
وبدأت أيضاً حملة "100 يوم من الإيجابية"، التي يتعهَّد فيها الطلاب والمعلِّمون والإداريون بممارسة السلوك الإيجابي.
وأرسلت عهود 60 "قائداً للسعادة وضابطاً للإيجابية" إلى مدرسة Haas لإدارة الأعمال ومركز علوم الصالح العام بجامعة كاليفورنيا في ولاية بيركلي الأميركية، وإلى مركز الوعي الآني بجامعة أوكسفورد وإلى مركز What Works للعافية في المملكة المتحدة، ليحصلوا على تدريب لخلق قوة عمل أكثر إيجابية وأمة أكثر سعادة في نهاية الأمر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول كشفت عهود عن "دورية السعادة" في أبو ظبي. وبدلاً من إصدار المخالفات المرورية، كافأت الشرطة السائقين الملتزمين بالقانون بقسائم هدايا ورصيدٍ لهواتفهم.
التحدث عن السعادة
جاء الحدث الرئيسي في العام الأول لعهود الشهر الماضي عندما نظَّمت حواراً عالمياً حول السعادة كجزءٍ من القمة السنوية العالمية للحكومات في دبي.
واجتمع الأكاديميون، والعلماء، والقادة الحكوميون، والمنظمات العالمية من حول العالم للنقاش حول الارتقاء بسعادة البشر.
ستُجمَع نتائج الورش واللجان في كتاب إرشادي، لكن عهود تقول إن النقاشات أدت إلى استنتاجٍ واحد: "السعادة ليست رفاهية بالنسبة للناس، إنها هدفُ بشري أساسي".