في عيادة الطبيبة التي زرتها رفقة والدتي بحي أكدال في العاصمة أكتشفت أن المغرب قد تغير كثيرا.. لم أكن في حاجة الى دراسات لحليمي. ولا إلى بحوث علوم السياسة والمجتمع.
كان ذلك نحو عشر سنوات تقريبا..
الطبيب الذي نصحني بالاخصائية في أكدال قال لي إنها سيدة مقتدرة وصاحبة كفاءة..
لم أكن أعرف أن طبيب الشرايين والقلب الاخواني الذي سقطت في يده صدفة وكان يفحص قلب الوالدة بسرعة جنونية بلا تركيز لأن صلاة الجمعة تتبعه سيرميني مثل كرة إلى أخت طبيبة أخرى مقربة له في التوجه والنوايا الحسنة التي يزرعونها نبتة نبتة.. وينتظرون قطافها في الساعة المناسبة..
السياسة عندما تدخل الطب تفسده..
كما أن الدين عندما يدخل السياسة يفسدها.. وقد أفسدها من أول يوم بعد وفاة الرسول..
في عياة الطبيبة تستقبلك السكرتيرة محجبة وتشير لك إلى قاعة الانتظار لتأخذ مكانك وسط جمهور كثيف ينتظر.. الجميع بالحجاب والبرقع والنقاب والنينجات واللحى التي تشطب الأرض ينتظرون والتلفزيون على الجدار على قناة دعوية ينقل مراسيم العمرة..
انتظرت طويلا وأنا أتأمل تلك الوجوه التي تنتظر دورها معي.. وبعد كل الوقت الطويل دخلت مع والدتي عند الطبيبة المخونجة. وبعد سؤال وجواب وفحص سريع تيجيفي بسبب الزبناء المنتظرين والصندوق ما زال يطلب المزيد خرجنا وفي أنفسنا حزن..
الطبيب والطبيبة يطلقان القرآن طيلة النهار في قاعة الانتظار..
والتاكسي يطلق القرآن.. والمؤذن يؤذن خمس مرات في اليوم طيلة العام..
والجزار والخضار والنجار والخياط وصاحب المحلبة والحلواتي والكهربائي والميكانيكي والتيليبوتيك والحمام والحلاق ومطعم الحي يسمعك القرآن في كل أوقات النهار والليل..
اسمع اسمع لتعود الى الطريق.. أنت الذي خرجت لوتوروت وتمشي في البيست والمنعرجات..
بضاعة مصر وصلتنا بكل ثرثراتها.. وبضاعة الوهابية وصلتنا في كامل مشمشها..
سائق التاكسي والحافلة يكتب: اركب معنا كما قال نوح لابنه..
بائع عصير النكاح.. فياغرا الكدح هو أيضا وجد الآية المناسبة وحديث البخاري المناسب ووضعه “لابيل” مكتوب على كروسته..
موضة أخرى تسللت في التفاصيل.. والشيطان يكمن في التفاصيل. لا تنس ذكر الله.. “صل قبل أن يصلى عليك”..؟؟ “هذا من فضل ربي” وغيرها.. وآخر ما شاهدت معلقة على تاكسي تمارة “لا تنس القدس”؟..
دعوات بعيدة عن أدنى درجات التسامح. تتحدث إلى المتلقي بمنطق العصا والجزرة فقط.
لاعبو الكرة يسجدون يشكرون الرب الذي جعل ضربة الجزاء تأتي في الدقيقة الأخيرة.
كأن الله لدى المصريين ليس هو نفس الله عند الكاميرون.
في ظرف سنوات معدودة انتقلنا من “صباح الخير” الجميلة و”مساء النور” البهية الى السلاااام عليكووووم…
انتقلنا من برلمان وأحزاب وجمعيات وكليات ومعاهد ومسارح تأتيها نساء بتنورات أنيقة في كامل الأنوثة الى نساء مكتئبات يلبسن البيجاما والدرة..
بيرة حلال.. ويسكي حلال.. نكاح حلال.. مسرح حلال.. كاريكاتير حلال.. صحافة حلال.. دمية حلال.. كوكا كولا حلال.. بورنو حلال.. كذبة حلال..
ما الذي حصل حتى وقع كل هذا التشوه باسم العودة إلى “السلف الصالح” والتراث والدين؟
عمر أوشن.