محمد الفيلالي
عاد عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة لحزبه لتأكيد القرار بشأن تشكيل الحكومة والأغلبية الحكومية في مجلس النواب، بعدما صار موقفه المتصلب من مشاركة الاتحاد الاشتراكي موضوع احتجاج داخلي من طرف من يرون فيه موقفا مدفوعا بأحقاد شخصية غير مقبول بمنطق السياسة والتفاوض.
عودة عبد الإله بنكيران هذه في فترة فراغ، قضاها معتكفا في بيته الشخصي، تعتبر بمثابة إصرار على الخطأ الذي كان وراء عرقلة مهمته لحد الآن، والمتمثل في جعل تشكيل الحكومة شأنا يتداول في شأنه داخل قيادة وهيئات حزبه وكأنه حزب وحيد يقرر في كل شيء كيفما يشاء ووقتما يشاء وبالطريقة التي يشاء. ويبدو أن الرجل فرح بنتائج حزبه في 7 أكتوبر الماضي حد أنه اختلطت عليه الأمور وبات يخلط بين احتلال المرتبة الأولى وبين حيازة الأغلبية المطلقة، التي ينسى أن المصوتين على قلتهم لم يمنحوه أياها، وبين حزبه والشارع، الذي يهدد به كأي شخص لامسؤول ولا تهمه الحكومة والمؤسسات والانتخابات، وبين كونه رئيس حكومة سابق ومكلف وبين مؤسسات الدولة.
هذا الخلط يجعله ينسى أن تكليفه بتشكيل الحكومة، وفقا للدستور، يجعل مسؤوليته شخصية أمام الملك والبرلمان وينسى كذلك أنه مطالب بالظهور بمظهر رجل الدولة الذي يوحد المغاربة ويطمئنهم وليس رجل المزاج والحسابات الخاصة الذي يوزعهم إلى قبائل أو طوائف سياسية بينها ثأر، وينسى فوق هذا وذاك أن الحكومة التي كلف بتكوينها يجب أن تكون حكومة للمغرب والمغاربة أجمعين وليس حكومة لحزبه وقيادته وهيئاته، فالانتخابات وحملاتها انتهت وجاء وقت المؤسسات.
إن ضيق الأفق الحزبي، الناتج عن النظر إلى حزبه كطائفة، يورطه في الأخطاء المتوالية التي جعلته يولد لدى أعضاء حزبه في القيادة والقاعدة وهم أنه يحق لهم اتخاذ القرار في تشكيل الحكومة بشكل حصري والقبول بمن يريدون وطرد من لا يريدون من رحمتهم، وهذا انحراف خطير عن دولة المؤسسات في اتجاه تحزيب الدولة واستعمال الموقع لتدمير الخصوم والمنافسين وعما تقتضيه التعددية الراسخة في البلاد منذ الاستقلال، وحتى قبله، وهو ما استفز كل الأطراف المفروض أن يسعى رئيس الحكومة المكلف بنيل ثقتها من أجل تشكيل الحكومة والأغلبية البرلمانية المساندة لها.
بنكيران كلف بتشكيل الحكومة بعد احتلال حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات العامة لمجلس النواب ليوم 7 أكتوبر2016، وفقا لمنطوق الدستور، وصار مطلوبا منه جمع أغلبية نيابية وتكوين ائتلاف أو تحالف حكومي، نظرا لكون حزبه جاء أولا ولم يحز الأغلبية، وهذا ما يتطلب منه التخلي عن الجلباب الحزبي الذي يلتصق به، ويتطلب منه أن يقنع قيادة حزبه بأن تشكيل الحكومة ليس شأنا يهمها وحدها ولا يمكن أن تقرر فيه لوحدها وأن تكف عن التصرف وكأنها استولت على البرلمان وعن التهديد بالشارع، الذي لا تشكل فيه أغلبية، إذ لم يحصل العدالة والتنمية إلا على مليون وستمائة ألف صوت، ولا يمكن أن تحركه لأهدافها كما تتوهم ذلك، لأن من صوتوا لذلك الحزب ليسوا كلهم مقتنعين بالأجندة الإسلامية، لكن الرجل يقوم بالعكس تماما، وذلك ما عرقل لحد الآن المفاوضات مع الأطراف الأخرى، التي شكلت أغلبية لدى انتخاب الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب، ويمكن أن يستمر في عرقلتها ويجعل بنكيران مسؤولا عن كل ما يترتب عن تلك العرقلة.
إن عودة بنكيران لقيادة حزبه ولهيئاته بشكل عشوائي لا يفيد في الضغط على أحد كما تبين خلال الشهور المنصرمة، وإنما يؤدي إلى عكس الغاية المرجوة، واستمرار الإلحاح على الشروط قبل إنهاء التفاوض ضرب من ضروب العبث السياسي.
ويبدو أن بلاغ قيادة العدالة والتنمية عقب اجتماعها يوم الخميس قمة العبث اللهم إلا إذا كان بنكيران يفكر فيما لم يعلن عنه بعد وليس في الحكومة، بحيث تشير تصريحات نشرتها بعض الصحف أنه يفكر في الانتخابات المبكرة، وهذا أمر لا يمكن لبنكيران ولقيادة العدالة والتنمية أن يقررا فيه بعيدا عن المؤسسات الدستورية والأطراف السياسية التي يستحيل على الإسلاميين تدميرها بمناورات أو حملات بوعشرين والكتائب الإعلامية والإلكترونية.