لم يختر المغرب طريق الانسياق وراء استفزازات "البوليساريو" ومن ورائها الجزائر، بل انحاز إلى الحكمة، و أعلن الانسحاب من المنطقة العازلة "الكركرات" ليضع الأمم المتحدة أمام الأمر الواقع، و أمام مسؤوليتها في أن تحافظ على الوضع، الذي كانت عليه، قبل أن تتحول إلى منطقة للاتجار الدولي في الأسلحة والمخدرات، ومرتعا خصبا لتفريخ المجرمين والإرهابيين.
لقد كان طبيعيا أن يتدخل المغرب في غشت الماضي من أجل حماية أمنه، وتطويق المخاطر الذي غذت تطفح بها هذه المنطقة التي تحولت إلى "قندهار"، و أن يؤّمن طريقا يعبره المواطنون والعربات والسلع والبضائع، غير أن "البوليساريو" الذي يحمي اللصوص والإرهابين والمهربين ضاق صدره، والجزائر غيضت، فطفقا يصعدان، في محاولات متكررة ويائسة لم تنل من انضباط المغرب.
واليوم، و مع انتخاب أمين عام جديد للأمم المتحدة، يدرك تفاصيل وحقيقة الوضع، و لم ينجر وراء أساطير "البوليساريو" و إغراءات الجزائر كما فعل غير المؤسوف على انتهاء ولايته بان كيمون، الذي نصب العداء للمغرب، قرر الملك محمد السادس، في خطوة تنم عن الرزانة والحكمة، و مباشرة بعد المكالمة الهاتفية التي أجرها مع انطونيو غيتريس، أثار فيها انتباه الأمين العام الأممي الجديد إلى الوضعية الخطيرة التي تسود منطقة الكركرات بسبب التوغلات المتكررة للعناصر المسلحة ل"البوليساريو" وأعمالهم الاستفزازية، ( قرر) الانسحاب من جانب واحد من المنطقة.
ويؤكد هذا القرار أن المغرب يحترم المؤسسات الدولية متى ما التزمت الحياد، و يحترم التزاماته ما لم ينتهك الطرف الآخر هذه الالتزامات.
ولا غرابة بعد ذلك أن يلقى هذا القرار ترحيبا دوليا، فقد أعلنت فرنسا أن الامر يتعلق بمبادرة هامة في اتجاه التهدئة، تأخذ بعين الاعتبار استقرار ومصالح المنطقة، ورحبت به إسبانيا.
كما جددت فرنسا دعمها للبحث عن حل عادل ودائم ومقبول من الاطراف لقضية الصحراء ، تحت اشراف الامم المتحدة، طبقا لقرارات مجلس الأمن، وتعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 ، تشكل "قاعدة جدية وذات مصداقية" لتسوية هذا النزاع.
القرار الملكي، شأنه شأن قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي يضع "البوليساريو" في مأزق حقيقي، ويخلق للجزائر محنة أخرى، ويضع المجتمع الدولي، وفي مقدمته منظمة الأمم المتحدة، أمام مسؤوليته.
إنها بكل بساطة " ضربة معلم" جديدة للدبلوماسية المغربية التي يقودها الملك محمد السادس.