العرب ريم قيس كبّة
من منا يستطيع أن يتعلم من أخطاء الآخرين؟ قد يكون أولائك قلة.. أو أنهم ربما شهدوا أخطاء آبائهم منذ أول الطفولة حتى غدت تلك الأخطاء عقدا نفسية محفورة في عقول الأبناء اللاواعية.. وحينئذ تصبح تصرفات الأبناء على العكس تماما من تصرفات آبائهم.. وأحيانا بتطرف.. فهم يدفعون ثمن تلك الأخطاء من نفسياتهم وشخصياتهم التي تتعلم أول الدروس في المدرسة الأولى: وأعني البيت.. وحينئذ قد يصح فيهم قول القائل “الآباء يأكلون الحصرم.. والأبناء يضرسون!”..
ولكننا لسنا بصدد الحديث عن ذلك الآن.. لأن ما يهمنا حقاً هو إمكانية الإفادة من تجارب الآخرين.. وتطبيق ما خبروه في حيواتنا.. ويرى بعض العلماء أننا مهما زادت خبراتنا النظرية وقراءاتنا ومعارفنا ودقة ملاحظاتنا لتجارب الآخرين.. فإن قلة منا فقط هم الذين يفيدون منها بشكل حقيقي في حياتهم العملية.. لأن الواقع يفرض سطوته على الجميع.. والإنسان.. ذلك الكتلة النابضة من الحواس والمشاعر والأعضاء.. لا يمكنه إلا أن يخوض التجربة بنفسه ويتعظ منها.. وأن يخوض حروبه الشخصية ليخرج إما منتصراً وإما خاسراً.. ليكون تراكم الخبرة في النهاية هو المحرك الحقيقي لتشذيب التصرفات وردود الأفعال واستقاء الحِكم منها.. ويذهب أصحاب تلك النظرية إلى القول إن ذلك يرجع إلى فطرية الكائن البشري الذي لا يمكنه تصديق خطورة النار إلا حين تحرق جلده.. أما تلك القلة القليلة التي قد تتعظ من حوادث الآخرين وتجاربهم فإن العلماء قد أطلقوا عليهم اسم “الإنسان الخائف”.. فهو إنسان غير مغامر يتردد في خوض التجربة ولا يعنيه أن يحس بلسع النار ما دام قد شهد احتراق سواه بها..
وإذا شئنا ألا نتفق مع تلك النظرية فإن ثمة من يجادل بأن خبرات الآخرين تتراكم عبر الزمن وعبر العصور فيتم تناسخ قصصها وتجاربها (وكذلك الأرواح إذا شئنا أن نؤمن بتناسخها).. وإن مجموع الحوادث والقصص إنما تصقل الإنسان وتشذب تصرفاته عبر الزمن.. ولولا ذلك لما تطور الكائن البشري ولما وصلت الحضارات إلى ما وصلت إليه.. ولولا ذلك أيضا لما كتبت الملاحم والأدب والتاريخ والعلوم ولما انتفع منها أحد!..
بيد أن الحديث والجدل يظلان قائمين في ما يخص التجارب الحياتية الصغيرة التي نتعرض لها يومياً.. والتي يحتاج الشاب منا مثلا أن يخوض غمارها لتكوين مفاهيمه الشخصية وبنيته الاجتماعية التي تجعل منه كائنا متفردا سواء كان إيجابيا أو سلبيا.. حتى وإن بدا إنسانا عاديا لا يلفت الانتباه ولا يقوى على ترك أي بصمة في حياته.. لكنه متفرد بتجاربه أيا ما كانت محدودة..
وما بين النظرية الأولى والثانية.. ثمة من يستطيع اختيار الوقوف عند الحد الفاصل ما بين النظريتين.. وذلك عبر تعميق القراءات والغوص في حوادث التاريخ والإفادة منها من ناحية.. وعبر خوض حروبه الشخصية واستقاء التجارب منها وبناء الخبرات من ناحية أخرى.. وإذ يتقن المزج بين المعرفتين فإنه يستطيع الخروج بأقل الخسائر الممكنة شرط ألا يأخذه الإحساس بالتفرد للنظر إلى الآخرين تلك النظرة الدونية التي ستمنعه حتما من توازن المعرفة والقرار وتشوش نظرته للحياة.. فما نراه خطأ عند الآخرين قد نقع في فخه غير مختارين لنجد أنه لم يكن خطأ بل لم يزد أن يكون مجرد تجربة..
صباحكم تجارب تستحق المغامرة..
شاعرة عراقية مقيمة في لندن