ثمة هاجس متنامي لدى الرأي العام الوطني بكون أدبيات "جماعة العدل والإحسان" واستراتيجياتها المعدومة للوصول إلى السلطة لم تؤمن يوما بالمعطى الديمقراطي كأساس جوهري، حيث تحرص الجماعة على توظيف القواعد الديمقراطية فقط للتعبير عن "مظلوميتها" في مواجهة السلطات العمومية، بينما تستبعدها كلما تعلق الأمر بجوهر أدائها سواء في علاقتها مع مريديها أو في علاقتها مع الغير.
هذا مع العلم، أن تسامح السلطات مع "الجماعة" بالرغم من عدم قانونيتها وكذا تمتع قيادييها بكل الحقوق والحريات المتعارف عليها دوليا هو معطى مستمد في حد ذاته من التراكمات الّإيجابية التي عرفتها التجربة المغربية على المستوى الديمقراطي، بالرغم من عدم مساهمة هذه الجماعة في أي من هذه التراكمات، بل على العكس فهي قد أعطت صورة سلبية عن أدائها بتبنيها مشاريع سياسية لا تواكب متطلبات العصر ولا تصلح للتنزيل إلا بالعودة قرون وقرون إلى الوراء.
قد يقول البعض أن الأداء السياسي لأي تنظيم، بما في ذلك "الجماعة"، يحتاج إلى حد أدنى من البراغماتية من خلال الاستفادة من معطيات الواقع بما يفيدها وليس بما يفيد خصومها، لكن هذا التوجه يحمل نوعا من "الشوفينية" ويجسد بحق مفهوم الديمقراطية عند بعض الحركات الإسلامية القائم على مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان" بدون الأخذ بعين الاعتبار ما يفيد الوضع العام وما يصب في المصلحة العليا للوطن.
براغماتية "الجماعة" لم توظفها فقط في مواجهة السلطات العمومية، بل يسجل التاريخ أنها تخلت عن حلفائها في "حركة 20 فبراير" فور تأكدها من الرفض الشعبي العام لمطالبها في تلك الفترة، ولم تكتفي بالانسحاب بل حرصت على شيطنة أعضاء الحركة عبر قذفهم بقاموس ينهل من خزان التكفير ونصبوا أنفسهم كحراس لمعبد الأخلاق. في حين الحقيقة شيء آخر، على اعتبار أن "الجماعة" فشلت في جر الحركة نحو غياهب المجهول وفي فرض مشروعها السياسي القائم على بناء "دولة الخلافة".
وها هي "الجماعة" تتوسل الدعم والمساندة فيما بات يعرف بملف "إعفاء أطرها من مناصب المسؤولية"، بدون أن تجد لها سندا لأن "المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين"، اللهم المساندة اليتيمة لبعض الأطراف السياسية والحقوقية المحسوبة على رؤوس الأصابع، والتي تترنح هي بدورها على وقع العزلة والارتباك.
ترى لماذا تفضل "الجماعة" أن تعيش في جنح الظلام في معزل عن التطورات التي تعيشها بلادنا على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وما الهدف من سعيها نحو الاختباء داخل المناصب العمومية في صمت رهيب يحمل رغبة في الانقضاض، بعد التمكن والاستقواء، على دواليب الدولة ومفاصلها لقيادتها نحو المجهول ؟
وإذا كان الجميع يتفق على أن السياسة هي "فن تدبير الممكن"، فأي ممكن تريد أن تدبره "جماعة العدل والإحسان" على ضوء رؤيتها الظلامية لشكل النظام السياسي الذي تسعى إليه ؟
فالصورة النمطية للجماعة في تشخيص الوضع العام بالمغرب دون مواكبة ذلك بحلول عملية برنامجية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك عجز "الجماعة" عن تقديم بديل قادر على تفعيل آليات الإصلاح ومشاريع الهيكلة الكبرى التي تباشرها الدولة بعيدا عن أية حسابات مهزومة، فالديمقراطية عند "الجماعة" ماهي إلا مرحلة من مراحل الصراع التكتيكي من أجل الوصول إلى الحكم، بشتى الوسائل وعلى رأسها التخطيط للسيطرة على دواليب الدولة من خلال الانصهار في مؤسساتها وتحمل المسؤولية داخلها، وفق "منهاج التقية" إلى حين.