مع دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، يكون الانفصاليون قد ضربوا موعدا مع دخولهم إلى غرفة العناية الفائقة ولا شك أنها بداية للعد التنازلي لأجل محتوم. فالقدرة على التنفس طبيعيا في فضاء إفريقي بات أمرا غير متيسر لهم، سيما وأن الولادة القيصرية لذلك الكائن كانت هي الأخرى غير طبيعية بدءا من نطفة أصلها من ماء قذافي في رحم جزائري احتضن ابنا غير شرعي وإلى غاية إخراجه وهو غير مكتمل.
فكل ما هو غير طبيعي وغير شرعي لا يتوفر في الأصل على مقومات الاستمرار في الحياة أو الوجود. تلك هي الطبيعة وما هي عليه من أحكام و نواميس ، وتلك هي السياسة الخاضعة هي الأخرى لضوابط وقواعد لا تقبل بأن يكون للنشاز وجود في حياة الأمم. البوليساريو حالة شاذة ومنفرة وغير قابلة للعيش ككيان مستقل لأنه مفروض ويلفظه السياق التاريخي لشعوب ذات حمولة من قيم ومبادئ إنسانية، وأركان وأسس لدول عريقة لم يجرفها سيل الاستعمار كما هو الشأن بالنسبة لكيانات مارقة بعد أن كتب لها الاستعمار شهادة ميلادها. ولأن اللقيط لقيطا لا يحن إلا لأمثاله ويناصب العداء لدول لها شرعيتها التاريخية.
وكذلك لأن هذا الكيان الوهمي حالة شاذة فالصيرورة التاريخية ستقول كلمة الحسم فيه. فالشوائب وإن طالت فهي بحكم طبيعة الأشياء معرضة للانقراض. والمغرب عليه ألا يخشى من المستقبل. فالأصل في الأصيل أنه دائم الوجود مهما تكالب عليه المتكالبون، واللقيط مهما حاولوا أن يشدوا من أزره فمآله الزوال. اليوم وبعد أن عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفي ذلك دلالة وإشارة للديمومة والاستمرارية، هناك أمامه مروحة من الخيارات في التعاطي مع هذا الكيان الوهمي، نجمل أهمها ونرتبها في سلم الأولويات من خلال عملية فرز على شاكلة أن هناك خطة أولى، تليها خطة بديلة في حال إذا ما تعذر على الأولى الوصول إلى الغاية.
1 ـ الخطة الأولى: تتمثل بالأساس في تفريغ الكيان الوهمي من فزاعته، وقتله وهو ما زال يرزق عفوا يرتزق أي العمل على إدخاله غرفة الانعاش وهو بداخل الاتحاد. كيف ذلك؟ وهنا يكمن الهدف الأساسي من العودة إلى الاتحاد حيث يتعين على الدبلوماسية المغربية القيام بنشاط دؤوب والعمل بروح قتالية لمواجهة كل الخطط المناوئة التي سوف تتكاثر بلا شك كالفطريات داخل منظومة العمل للاتحاد الإفريقي في قادم الأيام والأشهر. فخصوم وحدتنا الترابية سيعملون كل ما أوتوا من جهد على استصدار قرارات ضد قضيتنا الوطنية وتمكين الاتحاد الإفريقي من أن تكون له كلمة ودور في المسلسل الذي ترعاه الأمم المتحدة لعل ذلك قد يساعدهم على إخراج المسلسل من الحلقة المفرغة التي لا يرضى عنها الخصوم ولا تخدم مصالحهم في شيء.
فكلما تمكن المغرب من الحيلولة دون إصدار قرارات مناوئة، ومن واجبه أن يفعل ذلك وهو الغرض الذي أتى من أجله، كلما تمكن من تضييق الخناق على الكيان الوهمي حتى ولو ظل متسمرا في المقعد الذي أعطي له. فإلى متى سيظل هذا الكيان على ما هو عليه والحال أنه رغم عضويته قد يجد نفسه عاجزا على تغيير الموازين لصالحه بداخل الاتحاد وأن وضعيته إن لم تتقدم فهي حتما بطبيعة الأحداث قابلة للتراجع. ومن لا يتقدم فهو يتأخر. وهنا يكون المغرب في موقف قوي من خلال خنقه لهذا الكيان الذي أصبح فاقدا للقدرة على التنفس. فهو موجود وفي نفس الوقت لا أثر له ولا وجود. وعضويته ستصبح مع مرور الوقت في خبر كان. والموت البطيء قد يتهدده ليصل به الحال في نهاية المطاف إلى الموت السريري.
صحيح أن هذه الخطة قد تأخذ حيزا كبيرا من الوقت وجهدا مضنيا، لكن صبر الأمم لا يقاس بالوقت مع أن حصاد هذه الخطة يمكن جنيه من الوهلة الأولى من خلال ديناميكية مغربية يفترض فيها أن تكون قد انطلقت في اليوم الموالي للعودة.
وتحمل هذه المقاربة جملة من الإيجابيات أبرزها: ـ تصفية الكيان الوهمي بهدوء وثبات وجعله يعاني من سكرات الموت البطيء ـ عزله وتحويل وجوده داخل الاتحاد الإفريقي عالة على نفسه وعلى غالبية الدول الأعضاء ـ محاصرة الدول المناوئة وطمس تطلعاتها في أن يكون لها دور ريادي داخل الاتحاد وباسم الاتحاد ـ إسقاط ادعاءات الخصوم على أن المغرب عاد إلى المنظمة بنية تقسيمها ـ تخفيف كاهل الدول الصديقة والمؤيدة للمغرب من عناء معركة صاخبة قد يثيرها موضوع الطرد وما قد يترتب عن ذلك من تصدع محتمل.
2 ـ الخطة الثانية: هي عبارة عن تحصيل حاصل لما يمكن أن تفرزه الخطة الأولى من وضعية مشلولة للكيان الوهمي الذي لم يعد ينتظر سوى رصاصة الرحمة لإنهاء معاناة احتضاره. وبعد مرحلة العزل والخنق وانسداد الأفق تماما في وجه ذلك الكيان، تصبح الرصاصة عندئذ مطلبا لإنهاء الوضعية الشاذة التي لم يعد لها أي معنى بداخل الاتحاد الإفريقي. ومتى تحقق هذا السيناريو، فإن الاحتمالات الواردة لن تخرج عن اثنين:
ـ الأول إما أن يجد الكيان الوهمي مخرجا لنفسه سواء من تلقاء نفسه أو بإيعاز من أولياء نعمته، وذلك بالانسحاب من منظمة لم يعد له فيها معنى لوجوده وهو خير له من أن يتحول إلى ضيف غير مرغوب فيه.وعلى المغرب في نفس الوقت أن يدفع في هذا الاتجاه وان يشجع على ذلك بشكل إيجابي إما عن طريق الاتصالات المباشرة أو غير المباشرة بطرحه لبعض المشاريع تساعد على هذا الإخراج. وهنا ينبغي في رأينا أن يكون المجال مفتوحا للاجتهاد. فالأمر يتعلق ببناء سياسات تعطي للطرف الآخر فرصة يحفظ فيها ماء وجهه وتساعده على المخرج، حتى ولو أركنت خصمك في الزاوية. وسياسة المغرب كانت على الدوام سياسة تواصل وانفتاح لا مجال فيها لجعل الأبواب محكمة الإغلاق في وجه الآخر. ونحن من حمل شعار "الوطن غفور رحيم"، وهذا الشعار ينبغي تفعيله في هذه المرحلة بالضبط لأنه قد يكون عاملا محفزا على العودة إلى الوطن الأم. فالانتصار يمنحك الفرصة في كيفية تدبير خصمك وكسبه، لا في كيفية البحث عن الوسائل لإذلاله.
ـ الثاني وهو إما أن يذهب المغرب من موقع مريح وقوي في اتجاه دعوة المحفل الإفريقي إلى إنهاء هذه الوضعية الشاذة بالطريقة التي يراها مناسبة من خلال إدخال بند جديد في الميثاق يقضي بتجميد أو تعليق العضوية على غرار ما قد يحدث مع أي انقلاب حاصل في دولة عضو. فالتجميد أو التعليق قد يكون مخرجا مناسبا. وتبقى التعليلات والتبريرات باب مفتوح للتأويل يطرقه كل طرف بالشكل الذي يحفظ له ماء وجهه. ولن يجد خصومنا أي إحراج في دعايتهم وتأويلهم، والأمر ليس بغريب عنهم فقد سبق لهم أن حولوا عودة المغرب إلى انتصار لهم بعدما أن كانوا قد عارضوها بشدة.
إنها تصورات شخصية ندرجها في سياق الاهتمام بقضيتنا الوطنية لأنها قضية الجميع. كما نسوقها كأفكار للإسهام في بناء تصور مستقبلي ولما ينبغي أن تكون عليه استراتيجية المرحلة القادمة التي يجب أن تستحضر طبيعة المكونات والتجاذبات الهامة داخل المنتظم الإفريقي. وعلى المغرب في نظرنا أن يكون على بينة من تركيبة هذا المنتظم ومن المزاج الإفريقي الذي لا يخضع دائما لمنطق الحسابات العقلانية. فالقراءة ينبغي أن تكون جيدة لتفضي إلى الأخذ بما هو متيسر وسهل على الجميع لكن من دون التفريط في القضية.
لحسن الجيت