لم ولن تكون السياسة مصدرا للاغتناء بأي طريقة من الطرق، لأن طريق الغنى هو التجارة والمشاريع والأفكار التي يمكن إنتاجها، لكن أن تكون ممارسة السياسة أداة لجمع المال فهذا محرم في كل الشرائع ولا يقبل به عاقل. فالعمل السياسي هو فعل تطوعي، وأقصى ما يحصل عليه المناضل هو تعويضات بدل الشغل، وأقصى ما يحصل عليه برلماني هو تعويضات العمل، وأقصى ما يحصل عليه وزير هو راتبه والتعويضات المرتبطة بها، وأقصى ما يحصل عليه عضو ديوان هو التعويضات.
لكن للأسف الشديد أصبحت اليوم الحرفة المنتجة للمال والمربحة هي الاشتغال بالسياسة، باعتبارها الوسيلة السهلة للترقي الاجتماعي والانتقال من وضع إلى وضع لا رابط بينهما، كأن ينتقل شخص من موظف بسيط بالكاد يكفيه راتبه إلى رجل ذي أملاك وعقارات وأموال وسيارات فخمة وضخمة ويخترق عالم المطاعم الفاخرة ويصرف الأموال الطائلة على السفريات.
لقد تم تسريب لائحة ممتلكات حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعائلته، لأغراض لا نعرفها، ولكن وجود هذا الحجم من الممتلكات يطرح بعض الأسئلة، التي لم تتم الإجابة عنها إلى حد الآن. من أين له بكل هذه الأموال؟ هل استثمر في مشروع مربح لهذه الدرجة أم استغل منصبه النقابي والسياسي؟ أما الباقي فلا يهمنا ولا يهم من اغتنى عن طريق مجهودات كيفما كان نوعها غير أنها لا تخالف القانون.
لكن شباط، الذي يوجد في عين العاصفة، ليس وحده من انتقل من وضع الإملاق إلى وضع الغنى بسرعة فائقة. فهناك عشرات المئات الذين كانوا "ربنا خلقتنا" وأصبحوا بين عشية وغسق، وليس بين عشية وضحاها أثرياء لدرجات غير متصورة.
في كل بلدان الدنيا هناك لصوص وفاسدون يغتنون من العمل السياسي. لكن الدستور المغربي وضع آليات كبيرة لمراقبة صرف المال العام ومراقبة التهرب الضريبي وغيرها. لماذا تصلح أدوات المراقبة؟
إذن هذه دعوة ونداء ورجاء للجهات المسؤولة عن مراقبة المال ومراقبة الاغتناء عن طريق العمل السياسي أن تفعل الإجراءات اللازمة في حق الجميع ودون استثناء.
عليها أن تبدأ بالوزراء، الذين دخلوا الوزارة خماصا وخرجوا بطانا. وزراء لم يكن لهم سوى وظيفة بسيطة أو منصب بسيط قبل أن يدخلوا الوزارة، هم اليوم من الأثرياء يسكنون الفيلل ويملكون الأراضي والمزارع والشركات. ولا نقصد هنا فترة دون أخرى.
فئة أخرى مرتبطة بالوزراء لا ينتبه لهم أحد وهم مدراء وأعضاء الدواوين الوزارية. هؤلاء منهم جهابذة النهب الذين دخلوا الوزارة بحذاء مقطع وخرجوا بكنوز قارون. منهم من لا يمس أموال الوزارة ولكن يستغل ديوان الوزارة للاتصال بالمسؤولين قصد تسهيل المهام لشركائه في الخفاء. ومن موظف بسيط تحول كثيرون إلى أغنياء يصولون ويجولون وقدموا استقالاتهم من وظائفهم السابقة ليتفرغوا لاستثمار ما جنوه من أموال في مشاريع كبرى.
ليس طعنا في أحد لكن واقع الحال يقول إن العشرات اغتنوا من دخول الوزارة وبالتالي من حق المؤسسات المكلفة بالرقابة أن تعرف هل هذا الغنى فاحش أم عادي؟
صاحب المقال : Annahar almaghribiya