محمد أبويهدة
أتيح لي خلال هذه الأيام اللقاء بعدد من المواطنين الغانيين في العاصمة أكرا، التي تترقب الزيارة الملكية. مواطنون عاديون، سياسيون، مشاهير، موظفون… ثلاث أفكار أساسية تجاذبنا فيها الحديث، تتعلق بالوضع في البلاد بعد تنصيب الحكومة الجديدة، والعلاقات المغربية الغانية، وما مدى معرفتهم بالمغرب.
الكثير من الملاحظات يمكن استخلاصها من هذه الحوارات أولها حسن الإنصات الذي يتميزون به، ثم أخذهم الوقت الكافي للإجابة عن أي استفسار، واحترام الآخر، هذا بالإضافة إلى العفوية التي يتحدث بها كل المواطنين والصراحة بما يشير إلى انتشار واسع لحرية التعبير في البلد، فمهما اختلفت آراء المواطنين الغانيين حول الحكومة الجديدة والواقع السياسي، الذي أنتجته الانتخابات الأخيرة التي نظمت في 7 دجنبر الماضي، ينخرط المواطنون في التعبير عن مواقفهم بشكل عادي دون خلفيات مسبقة ودون حتى أن يسألك عن جنسيتك وسبب وجودك في بلاده، بدءا من سائق سيارة الأجرة، ومرورا بنادل المقهى ومواطنين من مختلف الشرائح، وهو ما ينم عن وعي سياسي كبير.
ورغم أن ما يقارب 28٪ من الساكنة تعيش تحت عتبة الفقر، إلا أن العمل أمر مقدس داخل البلد، وأكبر دليل على ذلك تعاطي المئات من النساء اللواتي لا يجدن عملا لبيع أشياء بسيطة في إشارات المرور، رافضات مد أيديهن للتسول، ومنهن حوامل أو مرضعات يحملن معهن أبناءهن.
الوعي السياسي الذي تحدثنا عنه، ينعكس أيضا من خلال الديبلوماسية التي يتحدث بها الغانيون عن المغرب، فرغم أن العديد منهم لا يعرف شيئا عن بلدنا، إلا أنهم بعد أن يعلنون ذلك صراحة ينخرطون في حديث عن ضرورة تمتين العلاقات بين الشعبين، ويعربون عن رغبتهم الملحة في الانفتاح على المغرب وعلى الشعب المغربي.
المواطنون هناك لطفاء وجديون ورغم الاكتظاظ الذي تعرفه شوارع المدينة، فإنهم يحترمون قانون السير وغير متهورين في سياقتهم، ومن الصعب أن تجد شخصا يخرق إشارة مرورية أو علامة لمنع التدخين في الأماكن العمومية، حتى أنه بالكاد تجد مواطنا يدخن السجائر.
في كل الإدارات التي ولجناها لم يسألنا موظف عن وثيقة تثبت هويتنا، إذ يكفي أن تخبره أنك صحافي من المغرب حتى يرحب بك: أكوابا..! وهي كلمة باللغة الإفريقية المحلية تعني مرحبا.
يتابع المواطنون الحياة السياسية لبلدهم باهتمام، لاسيما في ظل الرئيس والحكومة الجديدين، ورغم أن بعضهم لا يرى أن الأمر يتعلق بتغيير جذري قد يطال حياتهم، إلا أن الاهتمام بالشأن العام يدخل في إطار تنشئتهم الاجتماعية، ذلك أنه داخل البرلمان يتابع العديد من تلاميذ المؤسسات التعليمية الجلسات مباشرة داخل القاعة الكبرى، التي تعرف مناقشات عميقة يمنع فيها التصفيق ويكتفي البرلمانيون بالتعبير عن الموافقة بحرف واحد «ييييي»!
انتخب الرئيس الغاني الجديد، نانا أوكوفو، في دجنبر الماضي، وفي بداية يناير عين حكومته، ثم مباشرة بعد ذلك شرع البرلمان في تنظيم جلسات للمصادقة على تعيينات الوزراء، وكان يستدعي كل وزير على حدى للاستماع إليه وتوجيه أسئلة حول برنامجه، بل حول حياته الشخصية وسيرته الذاتية قبل المصادقة على التعيين، وهو ما يعني جلسة طويلة أشبه باستنطاق، وقد تمتد إلى جلسات أخرى، قبل أن يصبح الوزير.. وزيرا ويؤدي اليمين.
ومن المشاهد التي تدل على الاهتمام بمصلحة الوطن والأولوية التي تحظى بها، قصة تعيين وزيرة الخارجية، الذي صادف انعقاد مؤتمر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، وحتى تكون الوزيرة ممثلة رسمية لبلدها، اضطرت إلى أداء اليمين بأديس أبابا، وهي سابقة، إذ عادة ما يتم هذا التقليد داخل غانا.
أما عندنا في المغرب فمازالت المصالح الضيقة تحول دون تشكيل الحكومة، حتى بعد مرور أربعة أشهر من الانتخابات.