ها نحن أمام ضجة جنسية جديدة تتعلق بسليم الشيخ، مدير القناة الثانية، الذي تتهمه متدربة سابقة بالاغتصاب.
مبدئيا، لا يمكننا أن نقف في صف حقوق الإنسان والحداثة، أو في صف الدين والأخلاق، وأن نكون في نفس الوقت مع الاغتصاب لمجرد أن الفتاة لا تروقنا في سلوكياتها أو أن المتهم شخصية مشهورة أو صديق مقرب. تحت مسميات الحقوق أو تحت مسميات التدين، الاغتصاب هو جريمة مرفوضة مهما كانت طبيعة الضحية المحتملة وأو الفاعل المحتمل.
ومبدئيا، لا يمكننا أن نقف في صف الاستغلال الجنسي للنساء في فضاءات العمل مهما كانت التأويلات المرافقة. أن يكون الشخص في موقع المسؤولية وأن يقيم علاقات طويلة أو عابرة مع نساء يقعن تحت سلطته، هو أمر يحمل الكثير من شبهات الاستغلال الجنسي. ولهذا السبب تقرر كبريات الشركات العالمية مثلا، في حالة الارتباط العاطفي أو الزوجي بين رئيس ومرؤوس، أن يتم تنقيل أحدهما لفرع آخر.
قد تكون اتهامات الفتاة صحيحة، وفي هذه الحالة، فمن واجبنا التضامن معها. وقد تكون اتهاماتها باطلة، وهنا، فكل التضامن مع سليم الشيخ ومع غيره من ضحايا الابتزاز. مهما كان موقفنا الشخصي أو المهني من الفاعلين، فالتضامن يجب أن يكون، مبدئيا، مع الضحية: ضحية الاغتصاب أو ضحية الابتزاز.
لكن، وبما أننا في الظرفية الحالية لا نتوفر على معطيات تؤكد هذا الاتجاه أو ذاك، فإنه من غير المفهوم أن يتم توجيه هذا الكم من الإهانة والشتيمة لفتاة يمكن، ولو من باب الاحتمال، أن تكون ضحية فعلية للاغتصاب. كيف يمكننا لاحقا أن نطالب الفتيات بفضح التحرش وبفضح الاغتصاب، إذا كان هذا مصير من تحاول فضح هذه الممارسات التي نعرف جميعا أنها موجودة في أوساط العمل؟ كيف يمكننا أن نرفع خطابات الدين والأخلاق، أو خطابات الحداثة والمساواة، ونحن نتهم بالعهر فتاة يحتمل أن تكون محقة في اتهاماتها؟
علينا ربما أن نعي كيف أننا، عن وعي أو بدونه، نقف فعليا ضد ما ندافع عنه في الخطاب، وذلك حسب طبيعة الفاعلين. حسب انتماءاتهم الإيديولوجية والحزبية. حسب مدى حبنا لهم كمشاهير. حسب قربنا منهم مهنيا أو شخصيا… وعلى هذا أن يشكل لنا صفعة حقيقية أمام ضمائرنا أولا وقبل كل شيء.
مع التحفظ الكامل الخاص بتفاصيل هذه القضية التي قد يكون سليم الشيخ فيها بريئا كما قد تكون الضحية محقة، علينا أن نعيد ترتيب مفاهيمنا:
أولا: ملابس الفتاة أو كونها رافقت رجلا بمحض إرادتها للبيت أو لغرفة في فندقه، لا يعطي لهذا الرجل الحق في الاعتداء الجنسي عليها.
ثانيا: بشكل عام، ومع الاحترام التام للحياة الشخصية وللعلاقات العاطفية وحتى الجنسية العابرة منها لكل شخص، لنتفق مبدئيا أنه على أي شخص يوجد في موقع المسؤولية، أن يبتعد تماما في علاقاته الشخصية عن ميدان عمله. مهما كانت النوايا حسنة، فهناك مجال كبير للخلط بين الشخصي والجنسي والمهني وللكثير من تأويلات الاستغلال الجنسي.
ثالثا وأخيرا: الاعتداءات الجنسية، الاستغلال الجنسي للطرف الأضعف، التحرش في الشارع أو في فضاء العمل… كل هذه سلوكيات يفترض أن ننبذها تماما، أينما كان خندقنا. باسم الدين وباسم الحداثة، لا يمكنك أن تبرر هكذا سلوكيات. انتهى الكلام.
سناء العاجي