المشهد الأول: ماما أمريكا
نعم… دونالد ترامب شخصية مجنونة. ويبدو واضحا أن الرجل قرر أن يفي بوعوده الانتخابية وهذا، لمفارقات السياسة، أصبح هو مبعث التخوف. لكن… لنتأمل ولو قليلا مشاهد أخرى في بلدان قريبة: ألا تمنع دول الخليج ولوج أراضيها على العديد من الجنسيات (السورية، اليمنية، الليبية، العراقية) علما أنها قريبة منها جغرافيا وثقافيا… وأنها دول غنية؟ هذا إلى جانب دول أخرى في المنطقة، أقل ثروة من دول الخليج، لكنها تتغنى أيضا بشعارات القومية والإسلام؛ وتقفل بدورها الأبواب في وجه ضحايا الحروب الأهلية في المنطقة. أليست بنفس مستوى بشاعة العم دونالد؟
نحن الذين نندد بـ “الأفارقة اللي عمّرو البلاد”، وننتقد قرار تسوية وضعية المهاجرين في المغرب؛ بأي حق ننتقد قرارات ترامب؟ لنتأمل هذه المفارقة: العملية الأولى لتسوية وضعية المهاجرين استفاد منها حوالي 25 ألف شخص. للمقارنة، فهذا الرقم يعادل عدد المغاربة المقيمين في مدينة بلجيكية صغيرة، هي مدينة لييج! نحن الذين نطالب للمغاربة في أوروبا بحقوقهم الاقتصادية والسياسية والدينية، على أي أساس نرفض للمهاجرين على أرضنا حدا أدنى من الحقوق؟ وبأي حق نندد بقرارات ترامب؟
إنها ليست محاولة للتبرير: قرارات ترامب غير مقبولة في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وما يحدث في دول أقل تقدما على مستوى الحقوق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر قرارات الرئيس الأمريكي الجديد. لكنها دعوة لنا جميعا لكي نتحلى ببعض الموضوعية ونحن ننتقد الآخرين.
المشهد الثاني: ماشي شي إرهااااب
“ما الذي يجعل شخصا يقوم بعملية إرهابية ضد مصلين في مسجد؟”
بطرح هكذا تساؤل، فنحن نبرر بشكل من الأشكال قتل أشخاص في ناد ليلي أو في مسرح. وكأن الضحية التي كانت في مسجد والضحية المسلمة عموما، أكثر قيمة من ضحايا آخرين. وكأن الضحية التي قتلت في مطار أو في ناد ليلي تستحق بشكل ما مصيرها.
مجرد طرح هذا السؤال هو تبرير لبعض أشكال الإرهاب. ببساطة لأنه، في كل الأحوال، ليس من حق أي كان أن يسلب الحياة من الآخرين باسم الإيديولوجية. ضحية الإرهاب تستحق تضامننا سواء كانت في مسجد أو في ملهى ليلي. سواء كانت مسلمة أو بوذية أو ملحدة. الجهة الوحيدة التي يجب أن توجه لها أصابع الاتهام والإدانة هي الجهة القاتلة.
وهنا، تستحق منا الحكومة ووسائل الإعلام الكندية تحية صادقة لأنها ترجمت بالملموس أنها تنتمي فعليا للقيم الإنسانية الكونية. ساعات قليلة بعد الجريمة الإرهابية، صنفت الحكومة ووسائل الإعلام الكندية الجريمة على أنها عملية إرهابية. بالمقابل، فمعظم وسائل الإعلام الفرنسية ترددت كثيرا في تصنيف العملية كذلك. ربما “l’establishment” والإعلام الفرنسيين لا يعترفان بالإرهاب مادام الضحايا جميعهم مسلمين؟
وفي هذا للأسف نتشابه مرة أخرى في البشاعة: إعلام وسياسيون في فرنسا لا يعترفون بالإرهاب إلا حين يكون الفاعل مسلما والضحايا مسيحيون ويهود… ومواطنون كثر بيننا يتعاطفون مع ضحية في مسجد ويدينون ضحية أخرى في ناد ليلي… علما أن كل الإرهاب واحد.
سناء العاجي