حاول بنكيران في خطابه أمام المجلس الوطني لحزب" البيجيدي" الظهور بمظهر الرجل الوطني الذي لا ينازعه أحد في هذه الوطنية و المحب الأول لمَلكه..لن ننزع عن بنكيران وطنيته ،على الرغم من أننا شككنا فيها دائما،اعتبارا لارتباطه القوي بتنظيم الإخوان المسلمين ومحاولة زرعه، بكل الوسائل الممكنة سواء الفايسبوكية أو غيرها ،الشك والقلق في المغرب، ومع ذلك سنناقش خطابه الذي حاول أن يقدم حصيلة عمل الحكومة المنتهية ولايتها وحصيلة مشاوراته مع الأحزاب منذ تعيينه من طرف جلالة الملك رئيسا للحكومة.
القراءة المتأنية لخطاب بنكيران،تظهر أنه عمد إلى اجترار ملاحم بطولية وهمية لفائدة المغاربة، ولفائدة الفئات المهمشة والمحتاجة، من قبيل رفع الدعم عن صندوق المقاصة،وما يبدو له "إنقاذا " لصندوق التقاعد والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أو يبدو له شفافية في الولوج إلى مناصب المسؤولية عن طريق التوظيف عبر المباراة ، مع ربط الأجرة بالعمل بإنهاء فوضى الإضرابات العشوائية غير المبررة، أو من قبيل دعم الأرامل وتقليص ثمن الأدوية والزيادة في المنح الجامعية والزيادة في الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى للتقاعد واستفادة الوالدين من التغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل، أو من قبيل الاهتمام بالمقاولة الوطنية وتحسين مناخ الأعمال وإنقاذ المقاولات الوطنية وأداء ديونها وإعطائها الأولوية في الصفقات العمومية ودعم المقاولات المتوسطة والصغرى.
إذا كان الواقع الملموس يدحض كل هذه البطولات الورقية ويكذبها ،فإن ما اجترّه بنكيران في خطابه أول أمس ظل طوال خمس سنوات حملة انتخابية على حساب باقي المؤسسات والأحزاب، وهي الحملة التي لم تكتشفها أحزاب الأغلبية إلا في آخر عمر الحكومة،الشيء الذي جعلها تفطن إلى المزايدة عليها في عز الولاية الحكومية، و الشيء الذي جعلها لا تذعن إلى "مكر" بنكيران مرة أخرى خلال المفاوضات التشاورية لتشكيل الحكومة التي مازالت في غرفة الانتظار.
لنأتي بنكيران من الأخير، من حيث افترائه على الاهتمام بالمقاولات ودعمها وتحسين مناخ الأعمال وإنقاذ المقاولات الوطنية لنؤكد له بالملموس أن عدد المقاولات المغربية التي أفلست في 2016 فقط بلغ 7216 شركة وبزيادة قدرها 21.2% مقارنة بالعام 2015، ليساهم هذا الإفلاس سلبا في ارتفاع معدل البطالة الذي لم ينزل في عهد بنكيران عن معدل 9.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بل ليتجاوز عدد العاطلين إلى قرابة المليون و نصف المليون من الطبقة النشيطة غالبيتهم من أصحاب الشهادات العليا أما فيما يخص تحسين مناخ الأعمال فيكفي أن نذكره هنا بجاري ديون المؤسسات و المقاولات العمومية الذي انتقل من قرابة 175 مليار درهم منذ تولي بنكيران رئاسة الحكومة في 2012 إلى 246 مليار درهم متم 2015.
و إذا تأكد أن الإنجازات الوهمية لعبد الإله بنكيران ظلت مزايدات عن المواطنين و الفرقاء السياسيين و حملة انتخابية لصالح حزب العدالة و التنمية فإن إنجاز " الأجر مقابل العمل" كفيل بفضح ازدواجية الخطاب المصلحي لبنكيران وحزبه، لنطرح السؤال لماذا لم يتنازل فريق البيجيدي النيابي عن الريع البرلماني، على الرغم من أن نوابه البرلمانيين لم يعملوا لأربعة أشهر تحت قبة البرلمان بسبب عدم تشكيل بنكيران للحكومة في الوقت الذي قرر فيه العديد من برلمانيي باقي الأحزاب التخلي عن هذا الريع.
لقد أبان بنكيران في خطابه عن " حصْلة" سياسية و اجتماعية قبل أن يدلي بحصيلة حكومية موضوعية، خصوصا أن إرادته كانت تشكيل حكومة على مقاسه و مقاس إيديولوجية حزبه و ليس على مقاس الأغلبية التي يجب أن تراعى فيها مصلحة الوطن و المواطنين..
بنكيران لا يدرك أو لا يريد أن يدرك أن مفاوضات تشكيل الحكومة فيها شذ وجذب ومد وزجر، وفي نفس الوقت تنازلات و تضحيات من أجل هذا الوطن و السير به وفق تطلعات الملك و شعبه.. لقد أراد الفوز بالكعكة كاملة اعتمادا على أحزاب على المقاس و أغلبية على المقاس.
الخلاصة أن خطاب بنكيران الذي جاء بحصيلة حاولت تبرير حصْلته في إدخال المغرب في أزمة حقيقية على الرغم من أنه تطاول على مشاريع إصلاحية مردها إلى ملك البلاد وجعلها مشاريع حكومية من إلهام ووحي حزبه.
صاحب المقال : Annahar almaghribiya