شامة درشول
يتابع العرب والمسلمون بشكل كبير تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منع مواطنين من دول ذات غالبية مسلمة، مؤقتا من دخول بلاد العم سام. يصفقون لخروج مواطنين أمريكيين في مظاهرات ضد رئيسهم، ومن أجلهم. ينشرون بفخر على صفحاتهم على فيسبوك وتويتر صورا لرئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو وهو يحضر صلاة للمسلمين ويستمع لآيات من القرآن ترحما على روح قتلى أحد مساجد الكيبيك.
أتابع أنا هؤلاء المتابعين وأتساءل:
هل يعون ان دونالد ترامب يتقاسم معهم معظم مواقفهم وانه مثلهم ضد المثليين جنسيا، وضد الإجهاض، وضد حقوق المرأة على الطريقة الليبرالية، وأنه مثلهم يؤمن بأن المسيحية هي الدين الحق في الوقت الذي يؤمنون هم فيه أن الإسلام هو الدين الحق؟
هل يعون أن هؤلاء الذين خرجوا من أجلهم ضد قرارات ترامب التي تمنعهم بسبب دينهم، غالبيتهم مسيحيون، أو ملحدون، أو علمانيون، أو لا دينيون، ومنهم يهود؟
وهل يعون أن رئيس وزراء كندا هو ينتمي إلى الحزب الليبرالي الكندي، وأن هذا الحزب يؤمن بحرية العقيدة، وبحقوق المثليين، وبحق الإجهاض، وبالحق في تدخين الماريخوانا، وبحقوق أخرى يعتبرها المسلمون "رجسا من عمل الشيطان؟".
هل يعي المواطن المسلم الوافد من بلدان عربية بشكل خاص أن هؤلاء حينما خرجوا من أجله ضد رئيسهم في أمريكا، وأولئك الذين خرجوا مع رئيسهم في كندا، من أجل المواطن المسلم، ومن أجل كرامته، هم خرجوا لأنهم يحترمون فيه انسانيته أولا وأخيرا، وأنهم خرجوا للدفاع عنه وعن عقيدته ليس لأنهم يؤمنون بها بل لأنهم يؤمنون بما هو أهم منها، وهو عقيدتهم في احترام الانسان قبل الديانة؟
تابعت بكثير من السخرية تهليل المسلمين للمظاهرات العظيمة التي خرجت في أمريكا، ولخطابات رئيس الوزراء الكندي، وتساءلت وانا اتابعها: "هل سيأتي يوم ويخرج فيه المسلمون في مظاهرات في بلدانهم من أجل حق المهاجرين، واللاجئين، والمثليين، والمرأة، والملحدين؟".
عزيزي المواطن العربي المسلم...
هؤلاء الذين خرجوا في بلدهم وضد رئيسهم في امريكا، أو خرجوا في بلدهم يساندون رئيس وزراء بلدهم، خرجوا ليس من أجلك، بل من أجل ما يؤمنون به، ومن أجل هذه الديمقراطية التي تعتقد أنها تنحصر في أن تدلي بصوتك الانتخابي من أجل أن يحكمك رئيس حكومة مثلك، يؤمن بنفس عقيدتك، بل بنفس فهمك لعقيدتك
هؤلاء الذين خرجوا من أجلك في بلدانهم مع أو ضد رؤساء انتخبوهم بطرق ديمقراطية، خرجوا إيمانا بالديمقراطية وليس ايمانا بعقيدتك، وخرجوا لإيمانهم بأن الديمقراطية هي كل وليس جزءًا، وأن الديمقراطية التي تجعلهم اليوم ينتفضون ضد رئيس انتخبوه في أمريكا من أجلك أنت المسلم، هي التي تدفعهم كل يوم للانتفاضة من أجل حق المثليين، ومن أجل حقوق المرأة، ومن أجل حرية العقيدة، ومن أجل حرية العلاقات الجنسية بين راشدين خارج اطار الزواج، ومن أجل أمور كثيرة أنت ترفضها، ولا تخرج معهم حين يخرجون من أجلها، لكنهم هم خرجوا رغم ذلك من أجلك، لأنك جزء من إيمانهم بان الديمقراطية لا تتجزأ، وبانه اما أن نؤمن بها ككل، أو نتركها إلى أن ننضج جيدا، ونفهم أن هذه البلدان المتقدمة التي تحلم بأن تعيش فيها هي بلدان تؤمن بأن لك الحق كما للمثلي، كما للمرأة، كما لذوي الاحتياجات الخاصة، كما للملحد، كما للطفل، كما للعجوز، كما للحيوان، كما للشجر، كما للبيئة، كما لكل كائن حي يتنفس على أرضهم الحق في أن ينعم بالكرامة وبالحرية، والحق في أن يختار حياته، والحق في أن ينتخب الرئيس الذي يحكمه، والحق في أن يخرج ضد هذا الرئيس إن هو حاد عن أسس أهدرت فيها دماء كثيرة قبل أن تتحول إلى عقيدة جعلتهم أناسا ينعمون بالأمن والكرامة على ارضهم، وجعلتك تحلم بأن تصبح منهم، وجعلتهم يقبلون بك دون أن يطالبوك بالتخلص من ثقافتك وعقيدتك، وجعلتهم يخرجون من اجلك أنت الغريب عنهم ضد أبناء وطنهم ان هم اضطهدوك وحاولوا ان يفرضوا عليك عقيدة مختلفة عما يعتقدونه، وعما أسست له عقيدة العقائد...الديمقراطية.
فهل ستعي كل هذه الدروس القادمة من الشمال، وتفهم أنه كما يخرج هؤلاء اليوم من أجلك رغم عدم ايمانهم بنفس عقيدتك وافكارك، عليك أنت أيضا ان تخرج من اجلهم حين يتعرضون للاضطهاد في بلدهم وحتى في موطنك حتى وان اختلفت معهم في أفكارهم وقناعاتهم، وان خروجك من أجلهم هو خروج من أجل فهمك الناضج للديمقراطية ومن أجل ايمانك بالانسانية قبل الدين والتقاليد؟
حين تعي هذا الامر جيدا وتفهمه وقتها ستتوقف عن التساؤل لم هم تقدموا ونحن لا زلنا لا نبارح مكاننا في لائحة المتخلفين...وقتها ستكون في مصافهم، وستكون مثلهم، تؤمن بأن الله خلق شعوبه على الاختلاف ليتعارفوا، لا ليتقاتلوا باسمه.