محمد الفيلالي
يمكن للشعبوية أن تقود إلى مراكمة الأخطاء السياسية القاتلة فعلا. لكن قاتلة هنا تعني الموت السياسي وليس الجسدي، لأن من يخطئ كثيرا في موقع قيادي يعرض نفسه للخروج من الساحة السياسية وقد يلحق أدى كبيرا بحزبه.
ويبدو أن حميد شباط يجر حزبا وطنيا عريقا، يعتبر في الواقع إرثا وطنيا لكل المغاربة، إلى مراكمة الأخطاء والخطايا والإمعان فيها بلسانه الذي قلما يزن الكلمات قبل النطق بها، وكأنه يريد شرا بهذا الحزب الذي فتح له كل الأبواب ليرتقي في ميادين النقابة والسياسة والمؤسسات المنتخبة والمال والثروة.
ذلك أن شعبويته التي تدفعه إلى زلات اللسان المتكررة، التي أججت صراعه المفتوح مع بنكيران وعجلت بخروج حزب الاستقلال من الحكومة ثم جعلته يقوم برد فعل مضاد جعله يختار التبعية له، هي نفسها التي تجره اليوم إلى الإدلاء بتصريحات يعرف أنها لا يمكن أن تكسبه مصداقية ولا أن تحميه مما يريد الاحتماء منه وإنما تقربه من باب الخروج الذي يتحاشاه، فلا يمكن لحزب الاستقلال كما يعرف أن يبقى رهينة له وخاضعا لمزاجه كما يعرف هو شخصيا الذي أطاح بأفيلال، وما أدراك ما أفيلال في تاريخ حزب الاستقلال، وببنجلون ثم بنجل علال الفاسي في المؤتمر الاستقلالي الذي تمكن من الفوز فيه بالموقع الذي كان لرجال كبار متزنين وحريصين على استقرار البلاد وسمعتها في كل الظروف.
فقد شجع تصريحه لفرانس 24، الذي تحدث فيه عن الشهادة، التابعين له ممن يرغبون في إرضاء نرجسيته ونيل رضاه أو ربما أشياء أخرى، إلى القفز على هذا التصريح وتدبيج مقال في موقع الحزب يعطي الارتسام بأن حياة شباط باتت مهددة، وبشكل أوحى أن المغرب اليوم يمكن أن تكون فيه هذه الممارسة، النادرة أصلا في تاريخه بعد الاستقلال والمستحيلة منذ عشرات السنين.
وهو بذلك يستعير مجددا من بنكيران لغة استعملها أثناء الحملة الانتخابية، حين تكلم هو أيضا عن الشهادة وأوحى كذلك بأن حياته مهددة، ليس بهدف تعبئة جمهور حزبه وحده، بل جمهور الإسلاميين عموما الذي تمثل الشهادة جزء من ثقافته، وتجعل العناصر الأكثر تطرفا ضمنه يختارون طرق الموت والقتل عبر الارتباط بداعش أو القاعدة... وغيرها من التنظيمات الجهادية التي تتبنى الإرهاب طريقة للقضاء على ما تعتبره جاهلية العصر.
لقد سحب حزب الاستقلال المقال من موقعه، لكن بعد أن قرأه الخاص والعام بالداخل والخارج وأثار ضجة كبرى. ومن المثير أن التبرير الذي قدم بعد سحبه جاء غامضا، لأنه لم يشر من قريب أو بعيد لمضمون المقال وللإشارة التي أثارت الجدل. وهذا طبيعي لأن المقال امتداد لتصريح شباط ومحاولة ممن كتبه لإعطائه صدى إضافي.
هذا الحدث يدفع إلى التساؤل اليوم عما إذا كان ممكنا لأي خطيب شعبوي أن يطلق الكلام على عواهنه بدون حدود حتى ولو كان يمكن لذلك الكلام أن يخلق أجواء داخلية تطبعها الخطورة أو أن تسئ إلى البلاد وسمعتها. هذا التساؤل لا علاقة له بحرية التعبير التي يضمنها الدستور ويحميها القانون ومصادقة المغرب على المواثيق الدولية، وإنما بمسؤولية السياسيين تجاه المواطنين وتجاه بلدهم.
يجب أن يتوقف هذا التسابق بين الخطابات الشعبوية، لأنه يؤخر ولا يقدم ويفسد الوعي والعلاقات بين الأطراف السياسية، فالممارسة السياسية تقتضي الالتزام بدرجة عالية من المسؤولية قولا وفعلا، وتتطلب درجة عالية من التوازن الشخصي الذي يجنب الانزلاقات الكلامية وغيرها، إذا أردنا أن نسير على طريق بناء ديمقراطي متين لا تهزه ريح ويمكن الأجيال المغربية المتعاقبة من الافتخار به بين أمم العالم.