د. حبيب عنون
باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
عملت مختلف قنوات التواصل خلال الأيام القليلة الماضية على لعب دور الوسيط بين مختلف الأحزاب السياسية والناخبين بغية تمكين هؤلاء من تتبع ومحاولة استيعاب الخطوط العريضة التي تعتزم هاته الأحزاب سلكها إذا ما حظيت بثقة "الأغلبية" خلال استحقاقات 25 نونبر 2011. لماذا مصطلح الوسيط، لكون البعض يعلل اللجوء إلى مخاطبة الناخبين من خلال خصوصا شاشة التلفاز أهون من الانتقال كما كان مألوفا في السابق حين كان ممثلو الأحزاب السياسية أو المرشحون ينتقلون لملاقاة المواطنين حيثما كانوا. فإذا كان الأمر على هذا النحو، فهذا قد يعني ربما تخوف الفعاليات السياسية مما قد ينجم عن هذه الملاقاة في زمن مل المواطن من الوعود وخصوصا في زمن سبقه حراك شعبي التمس من ضامن وحدة البلاد إقرار وتفعيل التغيير. وما يزكي هذا التحول في ملاقاة المواطن، كون جل الأحزاب لم تعد قادرة على تواصلها بالمواطنين إلا من خلال تجمعات مركزية تضم ثلة من مكونات المنصة الشرفية المألوفة في حوار مع ثلة ممن استفادوا من تموقعهم داخل حزب ما أو ممن ينتظر دوره من خلال وعود القرابة والزبونية وتراه متيقنا من كونه بعيد كل البعد عن الأهلية والقدرة الفكرية والخبرة لتدبير شؤون ولو مقاطعة. كما أن البعض يعتبر ان وسيلة التواصل هذه، أي شاشة التلفاز، هي من بين القنوات التي تلجأ إليها على الصعيد العالمي كل الأحزاب قصد تمكينهم من التواصل مع شريحة من الناخبين أكبر وطنيا.
قيل ما قيل، وتمت مناقشة ما تمت مناقشته إلا أنه ثمة ملاحظة أعتقد بكونها بالغة الأهمية، تكمن في التهميش الكلي للإنسان المعاق كما لو أن الصم والبكم ليسوا بمواطنين مغاربة مثلهم في الحقوق والواجبات كمثل جميع المواطنين المغاربة. فهم معنيون كباقي المواطنين الناخبين بمجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.فعوض أن يتابعوا نقاشا سياسيا أو ذا أية مضمون، تراهم يكتفون بالإنصات إلى ما يقال في الشارع. وبالرغم من كون ضامن وحدة البلاد يولي عناية خاصة لهاته الشريحة من المجتمع المغربي، نجد وساءل الاعلام وخاصة شاشة التلفاز لا تبذل أي مجهود لجعل هؤلاء المواطنين، على غرار بعض الدول التي أدرجت مختصين في التواصل خصوصا مع الصم بهدف تمكينهم من فهم ما يعرض امامها من برامج. ربما أن أصوات هذه الشريحة من المواطنين المغاربة لا وزن لها لدى الفعاليات السياسية المغربية. والواقع يشهد بان هذه الشريحة من المواطنين حاصلة على شواهد ولديها مؤهلات وجب على المجتمع المغربي دستوريا أخذها بعين الاعتبار. ذلك أن الدستور المغربي لم يجعل هاته الشريحة المجتمعية في خانة وباقي المجتمع في خانة أخرى.
فمنذ ما يزيد على الشهرين او ثلاث، تعاقبت على شاشة التلفزة جل الفعاليات السياسية الراغبة في خوض استحقاقات 25 نونبر 2011. إذ اختصت بعض البرامج في التعريف بمسار الأحزاب المغربية واختصت أخرى بفتح نقاشات إما بين الأحزاب بخصوص برامجها الاقتصادية الاجتماعية المستقبلية، وإما بين حزب معين وطاقم إما من الصحافيين أو المجتمع المدني.
لا أعتقد ان تحليل ما تم نقاشه سيشكل قيمة مضافة لكثرة الكتابات والتعليقات التي نشرت وأذيعت بخصوصها. إلا انه ما أثار استغرابي أو انتباهي هو كون كل الخطابات التي أدلى بها المتدخلون السياسيون بدون استثناء تشير إما علنا وإما بلغة المبني للمجهول، بدون سند، إلى دور وزارة الداخلية كفاعل استراتيجي في التحولات التي يشهدها المشهد السياسي في المغرب. بل أكثر من ذلك، فالأحزاب السياسية الداعية لعدم المشاركة في استحقاقات 25 نونبر تعلل موقفها بكون ما تقوم به وزارة الداخلية إنما هو "توجيه" للمسار الانتخابي ونتائجه وفق طموحات ورغبات بعض الجهات المعينة. منذ السبعينات وفي كل استحقاقات انتخابية تتردد على أسماع المواطن المغربي نفس الأسطوانة ولكن مع اختلاف واضح وجلي في من ينشدها. فالاختلاف في منشد الأسطوانة هو ما يفقد الأسطوانة جديتها ويجعل مضمونها يختزل في المقولة التي فحواها " إما أن يكون حزبي هو الفائز، وإما ثمة تلاعبات في نتائج الانتخابات من طرف وزارة الداخلية" ؟ عدة تساؤلات تجول في ذهن المواطن بدون جواب في زمن بات فيه المواطن المغربي أكثر نضجا مطالبا بشفافية فعلية بخصوص مجريات تحديد تدبير مستواه المعيشي. في زمن بات فيه الشباب المغربي أكثر إلحاحا وأكثر وطأة ووزنا من الأحزاب السياسية.لا أدري ما سيكون مصير تلك الأسطوانة حين تكتسي وزارة الداخلية حلة دستور 2011 لتنسلخ من صبغة السيادة أو ما يحلو للبعض بنعتها ب "أم الوزارات" ؟
من الأكيد، وبالنظر إلى حقبة ما قبل الألفية الثالثة، أن وزارة الداخلية كفاعل من بين الفعاليات المشكلة للحكومة، لم تعهد مخاطبة أو محاورة المواطن المغربي من خلال شاشة التلفاز بخصوص إشكالية معينة. وغياب التواصل أو الحوار هذا غالبا هو من يجعل المواطن المغربي يصغي لما تصفه به بعض الأحزاب أو الجهات وزارة الداخلية أكان سلبيا أم إيجابيا. مما لا شك فيه انه لو كان تقليدا أن يستضاف السيد وزير الداخلية من طرف برنامج تلفزي لتوضحت الرؤيا للمواطن المغربي ولربما تم استنتاج خبايا أخرى هي في الأصل نابعة من سلوكيات بعض الأحزاب السياسية وتم تلفيقها لوزارة الداخلية. والأكيد أن التغيرات التي يشهدها المغرب والتي تستمد مرجعيتها من التوجيهات السامية التي يؤسس لتفعيلها ضامن وحدة البلاد قد أصبحت تتجلى تدريجيا للمواطن المغربي والأكيد أن هم وانشغالات ملك البلاد هو المواطن المغربي وليست الأحزاب السياسية لكون هذه الأخيرة لا تعدوا، موضوعيا، ان تكون إلا أداة لتفعيل سياسة اقتصادية واجتماعية ترق بالمستوى المعيشي للمواطن المغربي وبالتالي للرقي بالاقتصاد الوطني. لا يعقل ان تضل شاشة التلفاز وما تتضمنه من نقاشات حكرا على كل الفعاليات باستثناء السيد وزير الداخلية خصوصا في ظل عدة عوامل أولهما مضمون الخطاب السامي الداعي إلى ترسيخ مفهوم السلطة الجديدة. ثانيا، الغموض وما ينجم عنه من تأويلات وتفسيرات بخصوص تدبير وزارة الداخلية للتوافقات الحزبية ومدونة الانتخابات. ثالثا، قبيل أسبوعين من موعد 25 نونبر 2011، لا شك أن توضيحات من طرف السيد وزير الداخلية بخصوص تدبير المرحلة سيشكل حاجزا أمام كل التمويهات السياسية السلبية التي نجحت بعض الأحزاب في ترسيخها في ذهن المواطن، تلاعبا منها بحقه الدستوري. فبانجلاءها سيتحرر المواطن المغربي من هاته الأوهام وسترتفع نسبة إقباله على صناديق الاقتراع وقد يتبنى موقفا مغايرا اتجاه ما تدعيه بعض الأحزاب.
خلال الأيام الماضية، قد تمكنت الأحزاب السياسية من احتكار شاشة التلفاز حيث عبروا عن ما يرغبون في التعبير عنه إلا أن الضبابية لا زالت مسيطرة على الكثير من دهون المغاربة معتقدين ومنهم من هم مؤمنون بأن الوضع سيبقى على حاله... ولكن، بفعل ماذا؟ بفعل التلميح سواء العلني او المستتير التي كانت تشير إليه كل تدخلات الأحزاب السياسية. فانجلاء الضبابية وتبيان حقيقة تدبير المرحلة من خلال برنامج تلفزي بمشاركة السيد وزير الداخلية هو الكفيل بوضع عدة أمور في نصابها لكون الحوار لن يكتسي صبغة إيديولوجية سياسوية وإنما سيكتسي صبغة محايدة عملية