بقلم: المختار لغزيوي.
ليست هذه أول مرة يقول فيها شباط كلاما كبيرا للغاية ويعود عنه. الكل يتذكر أنه لم يكن يتهم عبد الإله ابن كيران في وقت سابق إلا بنصرة “النصرة” و”داعش”، وقد قالها مرارا وتكرارا لرئيس الحكومة، بل وفي قلب جلسة برلمانية منقولة على الهواء مباشرة “أتحداك أن تدين ماتفعله داعش والنصرة”.
لحسن الحظ التقط المغاربة منذ الوهلة الأولى طريقة التعامل مع شباط، فاكتفوا كل مرة قال فيها شيئا ما بالابتسامة، ثم تنهيدة التألم الخفيف لما وقع لحزب الاستقلال، وبعد ذلك الالتفات إلى الأهم، والإعراض عن الموضوع ككل.
ويوم كان الرجل عمدة للعاصمة العلمية، وما أدراك ما العاصمة العلمية، تلك التي قال عنها الشاعر “فاس والكل في فاس”، وعد ببناء برج إيفل في المدينة، ووعد بربطها بأقرب بحر ممكن، ووعد بعديد الأشياء التي كانت كلها تثير السخرية والألم الضاحك وكفى على حد قول عمنا المتنبي وهو يصف “ضحك البكا” ويمضي لحال عبقريته الشعرية غير مكترت بالشوارد التي يلهث وراءها الخلق.
هذه المرة ذهب شباط بعيدا. أوقف سيارة تصريحاته النزقة في وادي الشراط. ترجل من السيارة، التحق بالبث الفضائي لقناة معادية للمغرب، الكل يعرف الأجندة الجزائرية التي تحركها هي “فرانس 24″، وقال بالتلميح “أهديكم كل أعضائي إذا ما مت سواء كانت وفاتي طبيعية أو مت شهيدا”.
المغاربة الذين لم يستطيعوا تصور حميد شباط شهيدا، ولم يتمكنوا من قرن مفهوم الشهادة بعمدة فاس السابق، ابتسموا بحزن مجددا وسألوا الاستقلاليين الذين يعرفون “إلى متى؟”
لم يأت الجواب. عوضه أتى التصريح هاته المرة عوض التلميح، وقال موقع حزب الاستقلال الرسمي عبر الأنترنيت إن حميد مهدد بالاغتيال، وأن هذا التهديد لن يغير من مواقفه شيئا.
بين لحظة التبرع بالأعضاء بعد الموت، ولحظة الاحتفاظ بالملايير السبعة ونصف والمرء على قيد الحياة، أتت هاته المقالة دليلا آخر لم يكن يحتاجه أحد أنه من اللازم اليوم قبل الغد تدارك الحزب العتيد ومد اليد له، وإنقاذه من المسار المتهور الذي مس أعلى هرمه.
قالها المغاربة مرارا وتكرارا، وهم اليوم يرددونها: حزب الاستقلال لايشبه ماعداه من أحزاب أو تشكيلات. حزب الاستقلال هو الحزب الأول والأعتد والأصل وهو ملك لكل مغربية ومغربي، ومايمسه يمس الجميع هنا.
لذلك وعندما يضطر حزب من حجم الاستقلال إلى تتبع زلات “زعيمه” من موريتانيا إلى الشراط مرورا بما لا نستطيع عده من كبوات، يصبح ضروريا أن تقول جهة لجهة ما “باراكا”، وأن نشرع جميعا في جمع شتات هذا الشخص العجيب.
في يوم من الأيام اخترع عبد الإله ابن كيران عبارة تقول كل شيء عن حميد. لم ينفها الزعيم الاستقلالي ولم يرد عليها ولم يكلف نفسه حتى عناء مناقشتها مع من أصبح يدافع عن شرعيته وإن أدى به الأمر إلى ارتكاب كل الحماقات : “هبيل فاس”.
لعل ابن كيران كان أسبق منا جميعا إلى معرفة أصل الحكاية وتفسيرها دونما إطالة أو نقصان.