يونس دافقير
يبدو أن قدر حزب الاستقلال في الفترة الأخيرة، هو أن يسارع إلى إطفاء الحرائق التي يشعلها أمينه العام حميد شباط من حوله. وبعد انزلاقاته اللفظية في الحدود مع موريتانيا، التي أدت إلى توتر ديبلوماسي مع نواكشوط، وتطلبت تدخل الملك محمد السادس والحكومة وحكماء الحزب لطي الصفحة، عاد حميد شباط، بعدما اشتد عليه خناق فضح ممتلكاته، ليرفع سقف الانزلاقات من جديد، وهذه المرة من بوابة اتهام الدولة باغتيال قيادات سياسية من العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي.
وبعدما نشر الموقع الإلكترني للحزب مقالة تلمح إلى أن «الدولة العميقة» تورطت في اغتيال كل من الراحلين عبد الله باها وأحمد الزايدي، مع دفع القارئ إلى الاعتقاد بأن شباط سيعيش نفس المصير، عاد الموقع الإلكتروني للحزب إلى حذف نص المقالة، التي تحمل عنوان «ماذا يريدون من الأمين العام لحزب الاستقلال»، معتبرا أن هذه المادة تم تداولها في شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك منذ حوالي خمسة أيام، مضيفا أن «مضمون هذه المادة يعبر عن رأي صاحبها، و لا يمثل في شيء مواقف حزب الاستقلال»، الذي تعبر عنه مواقفه الرسمية «أجهزته ومؤسساته من خلال بلاغات أو بيانات أو تصريحات، وليس عبر مقالات للرأي»
وتدخل حزب الاستقلال لسحب حماقات حميد شباط، بعد أن اتضحت لقيادة الحزب خطورة الأبعاد التي تنطوي عليها، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بمجرد جدل سياسي وحزبي، بل باتهامات تقع تحت طائلة القانون الجنائي، وتشكك في كل روايات وفاة القياديين الحزبيين، اللذين اعتبرت أحزابهما أن وفاتهما كانت بسبب حادث مأساوي، وليس بتدبير من أي جهة كيفما كانت.
وزاد من حرج القيادة الاستقلالية، أن المقالة التي تضمنت اتهامات ثقيلة للدولة ومؤسساتها، نشرت بدون توقيع، ما جعلها تعطي الانطباع بأنها افتتاحية رسمية للحزب، الذي يتحمل وحده دفع فاتورة الأخطاء السياسية لأمينه العام. كما أنها كتبت بلغة ومفاهيم تنهل من أدبيات ومفاهيم العدالة والتنمية، وليس حزب الاستقلال، الذي لا توجد في قاموسه السياسي عبارات من قبيل «الدولة العميقة».
وعلمت «الأحداث المغربية» من مصادرها الخاصة أن «هذا الميول القوي نحو الانتحار السياسي لدى حميد شباط وتوظيفه للحزب في حماية مصالحة الشخصية والعائلية»، دفع معارضيه داخل الحزب إلى تكثيف تحركاتهم من أجل إيجاد صيغة تسرع بالتعجيل باستبعاد شباط من الأمانة العامة، وقطع الطريق أمام عودته إلى القيادة خلال المؤتمر الوطني المقبل للحزب.
وقالت المصادر ذاتها: «إن انطباعا قويا يسود داخل حزب الاستقلال، مفاده أن حميد شباط يقود الحزب نحو معسكر سياسي ليس هو موقعه الطبيعي»، مضيفة أن حكماء الحزب ضاقوا درعا بالتدخل في كل مرة لتصحيح انزلاقات حميد شباط، وصاروا يفكرون بجدية في الطريقة التي يمكن بها إنقاذ الحزب من حماقات الأمين العام.
ولم يتدخل حزب الاستقلال لسحب المقالة، إلا بعد أن انتشر صداها في المواقع الإلكترونية، التي قال بعضها إنه وفي خرجة إعلامية غير مسبوقة، أطلق حزب الاستقلال النار على من وصفها بـ «الدولة العميقة»، مشيرا إلى أن «الرأي العام الوطني يتابع ببالغ الحسرة وشديد الاستغراب الأساليب التي ينهجها بعض الأطراف من «الدولة العميقة» للنيل من رأس حميد شباط في أفق، أولا، تصفية الحساب معه شخصيا، وثانيا، محاولة خوصصة حزب الاستقلال لتمر لمحاصرة حزب العدالة والتنمية والتخلص من أحزاب الشعب إلى الأبد».
ونسبت هذه المواقع إلى الحزب قوله في إنه «لا أحد يمكنه أن يحتل موقع الدفاع عن حميد شباط، فهو قادر على الدفاع عن نفسه، لكن المرء يعترف أن الانفتاح الذي أصبحنا نعيشه في المغرب يجعل المغاربة يعتقدون أن الأساليب قد تطورت وأصبحت ذكية كهواتفنا. لكن للأسف الذين يعتقدون أنهم يتحكمون في اللعبة السياسية يعتبرون أن مرحلة التخلص من حميد شباط حانت، وهو ما يحيل إلى «أساليب وادي الشراط» كأسلوب مغربي/ مغربي خالص للتخلص من السابحين عكس التيار.
ونقلت المواقع عن المقالة قولها: «طبعا المقصود بأساليب وادي الشراط جميع الأشكال التي تكتسيها التصفية الجسدية والمعنوية والمجتمعية لشخص ما؛ ابتداء من التصفية الجسدية عن طريق واد الشراط، ومرورا بالمراجعات الضريبية وإخراج الملفات النتنة من الدواليب، دون نسيان المثول أمام من ترك خلف ظهره عبارة “وإذا حكمتم بين الناس أن احكموا بالعدل”».
ويظهر من مقالة «ماذا يريدون من حميد شباط»، أن الأمين العام لحزب الاستقلال، كتب هذا النص الانتحاري تحت ضغط توالي سلسلة التسريبات التي تخص مصادر ثروته، التي قال إنها لا تتجاوز خمسة ملايير سنتيم، حيث يظهر من نص المقالة أن هذا الهاجس احتل أغلب مساحتها منذ اللحظة التي تساءلت فيها بالقول: «منذ متى أصبح الوصول لمعلومات شخصية حساسة أمرا متاحا للعموم بأرقام التسجيل في المحافظة العقارية والحسابات البنكية، وتاريخ التسجيل والتحفيظ والملكية والتملك والشركاء ووو..؟».
وبلغة هروب واضح من المصارحة، اختار المقال الهروب إلى الأمام، من خلال طرح السؤال حول «لماذا لا يفتح تحقيق حول الذين اغتنوا على حساب المنكوبين من زلزال أكادير وزلزال الحسيمة؟ ولماذا لا يفتح تحقيق حول اختلالات مخطط المغرب الأخضر، والذين كانوا وراء هذه الاختلالات؟ ولماذا لا يفتح تحقيق حول ظروف إفلاس شركة لاسامير، والذين تسببوا في هذا الإفلاس؟ وأين وصلت قضية صلاح الدين مزوار مول البريمات؟ ولماذا تم اعتقال من سرب الخبر؟ وكيف راكم المصنفون في Forbes الثروات في الوقت الذي كان أجدادنا الشرفاء يقاتلون من أجل الوطن بالنهار ويتحسسون صورة محمد الخامس في القمر بالليل؟ (بالشفرة أكيييييييييييييييييد) وكم عدد المغتصبات بدوزيم الشيخ ولارام بنهيمة؟ وأين وصلت فيلات خدام الدولة واش باقا بـ 5 دراهم للمتر؟».
ووصفت مصادر من حزب الاستقلال نص المقالة بـ«الخطاب الشعبوي الذي يتهرب من المكاشفة والمحاسبة»، مضيفة: «بدلا من أن يحشر شباط حزب الاستقلال في زواية ضيقة وهو يدافع عن أمواله وأموال عائلته، كان الأفضل له أن ينشر تصريحا بممتلكاته ومصادرها، ويبقى في هذا الحدود دون إخراج القضية من سياقها وجر حزب الاستقلال إلى متاهات الاغتيالات السياسية الكيدية».