يخيم الاستياء على فرنسا هذه الأيام بعد انكشاف قضية فيون. يعاتبه الفرنسيون لأنه شغل زوجته وأبنائه كمساعدين برلمانيين برواتب كبيرة . صعق الفرنسيون وهم يكتشفون أن هذه الممارسة قانونية، وجاري بها العمل في آن معا. ثم ارتفعت الأصوات تطالب بتخليق الممارسة السياسية .
وبغض النظر عن حالة مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، يجب التذكير بأن الشفافية في موضوع ‘‘ الامتيازات ‘‘ أو ما يجوز اعتباره كذلك، لدى رجال السياسة أو ممثلي الدولة، عنصر يعزز انعدام الثقة الشعبية في النخبة السياسية .
الأزمة الاقتصادية، صعوبات المعيش اليومي، وأيضا التدفق الكبير للأخبار الذي يقطع مع ضبابية الماضي، تحديات كبرى أمام الديمقراطية التمثيلية التي لا يسعها الاستمرار دون التأقلم مع هذا المطلب الشعبي ، المتمثل في تخليق الحياة العامة .
المغرب يشهد نقاشا شبيها بما يجري في فرنسا، وفي ظروف أصعب، بالنظر إلى المستوى المتدني لعيش شريحة واسعة من المواطنين ، والديمقراطية التي مازالت في طور البناء. ومع ذلك، تظل المطالب الأخلاقية ثابتة .
الصحافة المغربية تنشر باستمرار الأخبار التي تتحدث عن التعويضات المرتبطة بالشأن العام. النقاش حول رواتب البرلمانيين كشفت عن تناقضات صارخة. هل يجوز دفع أجور أشهر من ‘‘اللاعمل ‘‘ في الوقت الذي تقتطع فيه السومة اليومية للعمال المضربين ؟ إنه سؤال في الصميم. إجابة البرلمان المغربي تحيل على حالة الموظفين المنتخبين الذين لا يتقاضون أجورهم منذ انتخابهم، ولكن الأمر لا يتعلق سوى بأقلية بسيطة .
الأكثر إيلاما في الواقع، هو مشهد رجال الأعمال الذين يرفضون إرجاع الأموال التي تطالبهم بها أحزابهم . هل هم محتاجون فعلا لهذا المال للعيش في الوقت الذي أنفق معظمهم أضعافه عشرات المرات في الحملات الانتخابية ؟
وإذا كانت الغاية هي تعزيز البناء الديمقراطي، يتوجب وضع آليات تمنع تحول الالتزام السياسي إلى وسيلة للارتقاء الاجتماعي المتسارع. لا يسعنا نسخ تجارب نعاين اليوم تجسيداتها في فرنسا أو غيرها من دول العالم . في نفس الوقت، يبدو بديهيا للغاية تمتيع تمثيليتنا بالوسائل الضرورية لإنجاح مهمتها الوظيفية . يجب أن تصبح قادرة على الاستعانة بخدمات الخبراء، وتعويضاتهم المادية، لأن ممثل الشعب ليس عالما بكل شيء.
المطلب الأخلاقي ظاهرة عالمية، كونية. وفي كل دول المعمور تقريبا، أطاحت الانتخابات بالنخب الحاكمة في مشاهد دالة على رفض الممارسات القائمة .
هنا في المغرب يجب أن نجيب على كل هذا النقاش لتعزيز انخراط الشعب في مؤسساته التمثيلية . صورة قبة البرلمان الفارغة، في الوقت الذي يتقاضى فيه البرلمانيون أجورا تفوق الحد الأدنى للأجور عشرين مرة، صادمة لعموم المواطنين .
الشعارات الشعبوية لا تسمح باستنباط الحقيقة الموضوعية من هذا المطلب الأخلاقي . ممثلو الشعب، كزوجة قيصر، يجب أن يظلوا فوق الشبهات . هل يجب تذكيرهم بأن الالتزام السياسي تطوع يمارس لخدمة الأفكار، وليس مهنة مربحة ؟ .