سعيد نافع
خارج المملكة العربية السعودية، حيث كان الاسم معروفا ومتداولا إلى حد ما، تساءل مشاهدو القناة الإخبارية ‘‘ العربية ‘‘ في شمال افريقيا والشرق الأوسط من يكون تركي الدخيل، قبيل بث الحلقة الأولى للبرنامج الحواري ‘‘ إضاءات ‘‘ في شتنبر من العام 2003 . لم يدم زمن الاستفسار طويلا، وسرعان ما كسب الصحافي الشاب قلوب المتابعين بعباءته التقليدية وشماغه الموضوع فوق الرأس دون كثير عناية، وابتسامته التي يمتزج في تفاصيلها لمعان الذكاء بثقة غريبة . صوته الفريد والخاص جدا، ذي القرار المخشوشن القادم من تفاصيل حكي الصحراء العربية، ورنينه السلس الطفولي، أوقع الكثير من الطمأنينة في نفس المشاهد، ومكنه في نفس الوقت، من سبر أغوار أفكار وحياة محاوره بدقة وهدوء. انطلق إضاءات ولم يتوقف منذ تلك الحلقة، إلى أن عين مديرا للقناة، فقرر أن يوقف البرنامج بنفسه إيمانا منه بأن وضعه الجديد لا يسمح له بمنافسة زملائه الصحفيين على خريطة البرامج.
وإذا كان المشاهد العربي عموما قد تأخر في التعرف على تركي الدخيل، فإن المتتبع السعودي أو الخليجي كان يعرف ويتابع عن كثب إسهامات الصحافي الشاب الكثيرة والمتعددة الأشكال والصيغ في المشهد الإعلامي في المنطقة . فقبل أن يدخل حلبة الحوارات التلفزيونية ويقارع فيها كبار الأسماء المتخصصة، سواء من لبنان أو مصر، ولج تركي عالم الصحافة سنة 1998 واحترفها رسميا عن سن الحادية والعشرين سنة 1994. وتنقل بين مختلف الاختصاصات الصحفية، من السياسة إلى الاقتصاد إلى الرياضة، في منابر إعلامية سعودية وخليجية شهيرة كالرياض وعكاظ والشرق الأوسط والمجلة وعالم الرياضة ثم الحياة، قبل أن يشتغل مراسلا إذاعيا لمونتي كارلو في السعودية، وإم بي سي إف إم ، ثم إم بي سي وأخيرا القناة العربية. تركي الدخيل متعدد المواهب، هو صحافي وكاتب ومراسل وإذاعي ومقدم برامج وناشر ومؤلف … وقد مكنه هذا المرور المتعدد من كل قنوات الإعلام من تكثيف عمر صغير نسبيا، بالكثير من الخبرة والعمق .
فتركي الدخيل من مواليد 2 يوليوز 1973 ، وينحدر تحديدا من منطقة القصيم. تلقى تعليمه العالي بجامعة محمد بن سعود، متزوج وأب لثلاثة أطفال . بدأ الدخيل مشواره الصحفي عن سن مبكرة، واحترف المهنة العام 1994. ساهم في تأسيس موقع إيلاف الالكتروني، وقناة العربية التلفزية المتخصصة في الأخبار، وأشرف على موقعها على الانترنيت ‘‘ العربية.نت ‘‘ إلى غاية العام 2007. أسس مجلة إقلاع الالكترونية وترأس هيئة تحريرها، كما أسس موقع جسد الثقافة الذي يعنى بالأدب والفنون الكتابية والمرئية. تركي الدخيل شغل منصب مستشار للعديد من الهيئات الإعلامية المكتوبة والمرئية. ساهم تركي الدخيل في تأسيس جوائز عربية عديدة، أهمها جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي ظل يشغل منصب عضو لجنتها العليا إلى العام 2008 . هو أيضا عضو مجلس إدارة أي ميديا التي تصدر جريدة الرؤية الاقتصادية، وهي صحيفة يومية تصدر من العاصمة الإمارتية أبوظبي، كما أنه يمتلك ويدير مرصد المسبار للأبحاث والدراسات في دبي، ويمتلك دار مدارك للنشر .
تجربته الإعلامية المتميزة جعلته يتبوأ موقعا مهما بين الإعلاميين الخليجيين والعرب، وفاز بجوائز عديدة سواء عن تجربته في الصحافة المكتوبة أو المرئية، كما حظي بتكريمات عديدة في أكثر من بلد عربي. سنة 2010 حصل برنامج إضاءات الذي يقدمه تركي الدخيل على جائزة أفضل برنامج حواري في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في البحرين، كما فاز سنة قبل ذلك، وعن نفس البرنامج، بجائزة أفضل برنامج حواري في الملتقى الإعلامي العربي السادس في الكويت . سنة 2007 فاز بلقب سيد الحوار في الاستفتاء الذي أجرته مجلة روتانا، اختارته مجلة ‘‘ ارابيان بيزنيس ‘‘ ضمن أقوى شخصية عربية عامي 2007 و 2010 . سنة 2009 حصل تركي الدخيل على جائزة أفضل مذيع سعودي في استفتاء جريدة الرياض .
تركي الدخيل هو كاتب أيضا، وغالبا ما جاءت مؤلفاته بحس نقدي يزاوج بين الكتابة الأدبية والحس الصحفي في التفاصيل والدقة في وضع المعلومات أو تحليلها. وشكلت مؤلفاته محور اهتمام الباحثين في الإعلام، والمتخصصين في الدراسات النقدية والأدبية على حد سواء. وتضم مكتبته الشخصية مؤلفات هامة نذكر منها ‘‘ ذكريات سمين سابق ‘‘ و ‘‘ سعوديون في أمريكا ‘‘ و ‘‘ كنت في أفغانستان ‘‘ و ‘‘ جوهرة في يد فحام ‘‘ و ‘‘ الدنيا امرأة ‘‘ و ‘‘ إنما نحن جوقة العميان ‘‘ و ‘‘ سلمان العودة من السجن إلى التنوير ‘‘ و ‘‘ قال لي القصيبي ‘‘ و ‘‘ كيف تربح المال بأقل مجهود ‘‘ و ‘‘ كيف يفكر القذافي ‘‘.
لتركي الدخيل، كغيره من باقي الهامات الإعلامية العربية والعالمية مواقف خاصة تجاه قضايا معينة، أثارت الكثير من الجدل في أوساط المتابعين بين متفهم ورافض. فقد هاجم تركي الدخيل الجماعات الإسلامية، خصوصا ذات الميول الإخواني، حيث وصف الإخوانيين بالإرهابيين في غير ما مرة، وهاجم سياساتهم وادعاءاتهم وأيضا نشاطهم، سواء في حالة الكمون أو الحركة. واعتبر الدخيل، في أكثر من مقال ومن مقابلة تلفزيونية أن فترة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي هي أسوء فترة في تاريخ مصر واصفا ولايته ب‘‘ لوثة تاريخ مصر الحديث ‘‘. كما يرى الدخيل، ودون مواربة أو نفاق وبكثير شجاعة، أن حركة المقاومة الفلسطينية ‘‘حماس‘‘ هي من تسبب في المجازر التي أسالت الكثير من الدماء في قطاع غزة، لأنها تقاتل الاسرائيليين وتورط الشعب الفلسطيني وأفراده وعائلاته وصغاره للقصف المتواصل والمدمر. بالمقابل لا يتحاشى الدخيل الحديث عن الدين، مشيرا إلى أنه تدين قبل أن يبلغ الحلم، وأن الشخص المتدين يبقى بعيدا عن أي شكل من أشكال التطرف، طالما أنه لم يسئ للآخرين .
موقفه أيضا من عاصفة الحزم، التي تقود من خلالها القوات السعودية تحالفا عربيا لضرب مواقع الحوثيين وحلفائهم في اليمن، يعبر عن مواقف الدخيل الواضحة والصريحة. الدخيل يعتبر التحالف نقلة نوعية في العلاقات السياسية والعسكرية العربية، غير مسبوقة وستشكل مدخلا للعلاقات العربية في المستقبل ‘‘ التي ستنتقل من الخطاب إلى الارتباط البراغماتي المبني على المصالح المشتركة ‘‘. ودافع الدخيل عن أهداف عاصفة الحزم الاستراتيجية، قائلا أنها يجب أن تستمر مهما كلف ذلك من ثمن إلى غاية اجتثات أسباب التدخل الأجنبي في منطقة شبه الجزيرة العربية .
على موقع تركي الدخيل على الانترنيت تجميع لكل مقالاته المكتوبة وبعض أجزاء من حلقات برامجه الحوارية سواء في الإذاعة أو التلفزيون، بشكل يجعل المتتبع يلاحظ أهم سمات أسلوبه، سواء في الكتابة أو المحاورة. للدخيل شجاعة كبيرة في اقتحام المواضيع الحساسة في المجتمع السعودي، كالفن وعلاقته بالدين، أو حرية المرأة والإبداع والتعبير . وإذا كان البعض يعتبر أن هامش الحرية في الإعلام من اختصاص تركي الدخيل لقربه من دوائر صناعة القرار السياسي والاقتصادي في المملكة العربية السعودية – الدخيل كان قد صرح في إحدى البرامج التلفزيونية أنه مقرب من الأمير متعب بن عبد الله – فإنه نفى دائما أن يكون هذا القرب قد أثر بشكل مباشر في تعيينه على رأس قناة العربية.
تركي الدخيل إطلالة متميزة في الإعلام العربي بالرغم من حداثة سنه، عقل تنويري يساهم في حدود المتاح، ثقافيا، في فسح المجال للإضاءة بأن تدخل عقل المشاهد العربي.