قبل أكثر من عامين، سألتني صحافية مغربية، منشّطة لبرنامج على قناة “فرانس 24″، في عز زوبعة كبيرة، نفخ فيها هواة التزلج على “الجديد”، عن سر ما اعتبرَته دفاعا عن المغرب، أو عن الدولة، فأجبت دون حاجة إلى التفكير: “المغرب ليس جنة لكنه ليس جهنم”.
يمر الوقت وتظل هذه القاعدة سارية المفعول، وقد تكون أصلح العبارات لوصف حال المغرب، وقد استعملها، أو استعمل مضمونها، الكثيرون.
هي قاعدة مستمرة، تترسخ مع مرور الأيام، وتتأكد مع جريان المياه تحت الجسور في مناطق كثيرة عبر العالم، وهي كذلك رغم كل ما يحدث من خربشات على هوامش صفحة كبيرة تسمى المغرب.
عبارة “المغرب ليس جنة لكنه ليس جهنم” هي الجواب المناسب على كل من يحاول، في الداخل وفِي الخارج، أن يلون البلاد كلها بالأسود، وهي الرد الواقعي على من يحترف إعطاء النقط باسترخاء واستعلاء، وعلى من يعشق التشفي في بلاده بالجزء الفارغ، أو المر، من كأسها، وعلى كل من يحترف شعار “مالك مزغّب”، وعلى من يسفه كل ما يحدث على هذه القطعة من الأرض… ومن القلب.
الانتقاد، ولو بقساوة، ليس محرما، بل مطلوب، في مرحلة البناء على الخصوص، لكنه يثير الشكوك حين يكون بعيدا عن منطق “رأيي صواب يحتمل الخطأ”، وحين يتبنى أصحابه يقينية مفرطة، ويحولونه إلى “علامة تجارية” مذرة للمال أو الأضواء، فيشرعون في محاولات جعل انطباعاتهم مقدسة، فيما هي مبنية على بعض ما يؤمنون به وما يعتقدونه، أو بالأحرى مبنية على ما “يعقّدهم”، وكثيرا ما تحدث هذه التقييمات بالكثير من الغل غير المفهوم.
لا يجوز أن ننفي عن أي كان مغربيته أو دفاعه، من منظوره وموقعه، عن مصلحة بلاده، إنما لن يكون من العدل، ولا من النهج أيضا، أن نعتمد رواية واحدة فقط.
،إذا كان الدفاع عن المغرب بمنطق “العام زين” غير مستحب وكثيرا ما يعطي نتيجة عكسية، فإن الضرب في البلاد والتشفي فيها، مرفوض أيضا، وقد حان الوقت للتخلي عن ديكتاتورية الرأي المعارض، وعن تسلط أصحاب الفكر المختلف.
الاعتراف بما هو جميل في هذا الوطن ليس “تمخزنا” بالضرورة، وليس “لحيس كابة” في كل الحالات. كما أن “سياسة الوخز” لا تعني الاستقلالية، ولا الموضوعية تعني أن تقول إن كل شيء ليس على ما يرام، ولا “على ما يراد”، مثلما لا تعني أن تقول إن كل شيء بخير… ولا ينقصنا إلا النظر في وجهكم العزيز.
بلادنا في حاجة إلى الكثير، وفِي مقدمة ما تحتاجه عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروات، لكننا لسنا سيئين إلى المستوى الذي يسوقه البعض… أو البغض!
المغرب في الاتجاه الصحيح. قد تختلف السرعة، وقد تظهر بعض الحفر و”الضوضانات”، وقد تطول الطريق، وقد يفضل السائقون الطريق الوطني، حيث الباراجات والرادارات والسرعة المحدودة و”خفف السير” و”أرا الوراق”، للوصول باطمئنان، بدل الطريق السيار حيث السرعة فيه قد تؤدي إلى الهلاك.
حتى في حالة الوطن، التأخر في الوصول خير من عدم الوصول.
قال قائل إن المغرب كان مثل صنبور ماء ظل وقتا طويلا جدا غير مشغل، لذلك من الطبيعي أنه بمجرد فتحه خرج الماء منه ممزوجا بالصدأ، ويحتاج وقتا ليصل الماء صافيا صالحا للشرب.
لا تسألوا عن القائل ولا عن الناقل عن القائل… انتبهوا إلى الصنبور فقط.
#مجرد_تدوينة