هل هناك بلد تُمسُّ كرامتُه، ويُشكَّك في وحدته الترابية، ويُستفَزُّ في عقر داره أثناء محاكمة على ترابه، فيسمح بفصول مسرحية هزلية كلها إهانة، وتُهَم مغرضة، ثم لا تُرفع الجلسة، ولا ينفضّ الجمهورُ ويقاطع المسرحية البائسة؟ لم يحدث أبدا مثل هذا في التاريخ، كما يحدث الآن في بلادنا خلال محاكمة إرهابيي [كديم إزيك].. كان الفيلسوف الوجودي [جان بول سارتَر] يناهض سياسة فرنسا الاستعمارية في إفريقيا، وينظم محاكمات رمزية عبر العالم، ويطالب باستقلال هذه البلدان، وبالحفاظ على وحدتها الترابية، تماما كما فعلت فرنسا نفسها أيام الاحتلال النازي، وأعدمت كل من كان يقول إن [السّار، وألزاس لورين] ليست أقاليم فرنسية، وأن سكانها ليسوا فرنسيين، بل جرمانا.. ورغم أن [سارتر] كان على حق في مناهضة الاستعمار الفرنسي، فإنه تعرض للنظرات الشزراء في الشارع من طرف المواطنين الفرنسيين، كما اعترف هو نفسه في كتابه [جمهورية الصمت]..
هل بمقدور زائر، أو ديبلوماسي، أو محامٍ، أن يقول في [موسكو] إن جزيرة [القرْم] ليست روسية؛ أو أن جزيرة [كورسيكا] ليست فرنسية؛ أو ولاية [ألاسكا] ليست أمريكية؛ أو أن جزر [كوريل] ليست يابانية، أو أن جزيرة [فورمُوزا] ليست صينية؛ أو أن [جبل طارق] ليس إسبانيا، في صحافة، أو قناة تلفزية، فما باُلك في محاكمة؟ أتحدى أن يفعل أحدٌ هذا، ويمكث في البلد أكثر من 24 ساعة؛ مستحيل أن يحدث هذا فيُسْكَت عنه من طرف شعب، وأمة، ودولة، ومجتمع.. فهذه الدول ليس فيها خونة، وجبناء، ووكلاء جهات، ومنظمات معادية كما هو شأن بلادنا التي تعجّ بعبدة فرنسا، وهم الذين جعلوها وساعدوها وخدموها حتى مدّدت استعمارها لبلادنا لأكثر من 40 سنة، بعدما كانت سترحل في غضون عشر سنوات فقط؛ لا بل حتى علماء دين خونة اعتبروا الفرنسيين من أولي الأمر، وأفتوا بذلك في المساجد، وأمروا الناس بطاعتهم، والرضوخ لهم؛ ومن أنسال هؤلاء ينحدر خونة اليوم؛ يندسّون في منظّمات، وفي جمعيات، ويتأنّقون بوشاح حقوق الإنسان، فيما نحن لسنا بحاجة إلى هذه التنظيمات الاستعمارية أصلا..
ها هي المنظمات التي تتشدق بإدانة الإرهاب بكل أشكاله، تعيّن محامين للدفاع عن إرهابيي وقتلة شهدائنا في [كديم إزيك]، ويتحدّانا محامٍ فرنسي في عقر محكمتنا، ويدّعي أن المغرب يحتل الصحراء المغربية، وهو ما لا يجرؤ على قوله في بلد آخر يقدّس وحدتَه الترابية، وإنْ فعل طُرِد شرّ طردة من البلد.. لقد دُرج الفرنسيون على إهانتنا، والتقليل من قدْرنا، يساعدهم في ذلك عملاء، وخونةٌ، ومتآمرون على الوطن، وعلى قضاياه المصيرية.. لقد أهانتنا فرنسا يوم أُهين وزير خارجيتنا في مطار (بارس)؛ وأهين قائدٌ عسكري كبير في المستشفى؛ وفُتِّشَت وانتُهِكت حرمةُ بيت سفيرنا هناك؛ وشبّه ديبلوماسي فرنسي بلدنا صراحة بالعاهرة؛ واستضافت قنواتُها التلفزية كل شاذ جنسيا، وعاهرة بخْسة وقدّمتهم كمعارضين سياسيين، وحاول صحفيان ابتزاز ملك البلاد، فلم يُلْقَ عليهما القبضُ، رغم أدلة دامغة، فيما اعتُقِل وما زال فنان مغربي يُدْعى [سعد لمجرّد] في السجن، بسبب تهم واهية، لمجرد أنه فنان مغربي؛ وهل كان بإمكان القانون في بلادنا اعتقال ولو ليوم واحد [باتريسيا كاص] أو [ميشال ساردو] أو غيرهما من فناني فرنسا مثلا؟ لقد مر إرهابيُّ [الموساد] المدعو [دان أربيل] أمام شرطتهم في المطار بعد فعْلته، وهو الذي قتل المغربي [البوشيخي] في [النرويج] لأن القاتل حَسِبه [كمال عُدْوان] لشدة تشابههما؛ ومع ذلك مر الإرهابي آمنا سالما عبر تراب فرنسا، دولة الحق والقانون؛ ثم صار مستشارا شخصيا في القتل للجنيرال [نورييغا] في [بانما]، ونجا من الحكم بالإعدام، تماما كما يريدون اليوم لقتلة شهداء الواجب..
فهؤلاء خدّام فرنسا في بلادنا، هم مجرد أدوات لا قيمة لهم عند فرنسا نفسها؛ ولا ثقة لها فيهم، لأنهم خونة وطنهم؛ ومعلوم أن الدولة التي توظف الخونة عبر التاريخ هي فرنسا، وقد عُرفت بذلك منذ الفترة الاستعمارية البئيسة.. هؤلاء الخونة، طبع الله على قلوبهم، وأعمى بصيرتهم؛ فهم لا يعْلمون كيف يصنّفهم فيلسوف العنصرية الفرنسي [دي غوبينو]؛ وكيف يعتبرهم الفرنسي الذي شرّع لفرنسا استعمار واستغلال الشعوب ويدعى [جول فيرّي].. فلو بحثْتَ عن أصل هؤلاء الخونة خدّام فرنسا، لوجدتهم ينحدرون من نسل خونة الوطن قديما، وأنهم مثلهم مثل مَن يحسبون الوطن مجرد حفنة من تراب عفن؛ وأن فرنسا تسْخر منهم، وتسَخّرهم لمهمات دنيئة، وأنهم كلابُها الوفية، تلقي لهم بعظام، وبما فضُل عندها من أطعمة فاسدة، من أجلها يخونون الوطن والأمة.. تزدريهم فرنسا؛ تعتبرهم دون مستوى الإنسانية؛ ومع ذلك لذهاب هِمّتهم، وانخفاض قيمتهم، فهي عزيزة عليهم..
لكنّ الذي استعصى على فهم كاتب هذه السطور، هو موقف بلادي هذه من هؤلاء الخونة، إذ تراها تقمع المتقاعدين وتخصم من تعويضاتهم؛ وتسلخ المعطلين، وتكسّر عظام الأساتذة والمكفوفين؛ وتقتطع من أجور الموظفين؛ وتسمح بتشغيل الأطفال؛ لكنها تدفع دعما لجمعيات ومنظمات هؤلاء الخونة، الذين عُرفوا بالدفاع عن الشواذ جنسيا، والعاهرات، والإرهابيين، مع ضرب القيم، وازدراء الدين، ومساعدة خصوم الوحدة الترابية، ومناهَضة الملكية، وإثارة الفتن في البلاد؛ وما نشاهده الآن من مساندة لقتلة شهدائنا، ومساعدة لوفود أُرسِلت من طرف منظمات ماسونية هدّامة تعتبر القتلة جنودا لها في المستقبل، لخيرُ دليل على دناءة وخسّة، وردّة عملاء فرنسا، وخدّام منظمات الهدم، والشذوذ، والجريمة في بلادنا.. وكردّ فعل يجب على بلادنا منعُ الدعم لكل هؤلاء الخونة، وحلّ هذه التنظيمات المدافعة عن الإرهاب، وطردُ وفود الماسونية من ملاحظين، ومحامين، وعملاء متخفّين وراء ستار حقوق الإنسان، وشنْق كل القتلة تماما كما يحدث في بلدان راقية عديدة؛ وهذه هي العدالة حقا؛ وحقوق الإنسان صدقا؛ وقيمة حياة المواطن المغربي حقا وصدقا.. وما أكثر عبدة فرنسا في بلادنا!
صاحب المقال : فارس محمد