عزيز الدادسي
عادت جماعة العدل والإحسان مرة ثانية لتبرير موقف مقاطعة الانتخابات، وكان بإمكانها أن تكتفي بما صدر عن المجلس القطري للدائرة السياسية (هكذا في انتظار المجلس العالمي للخلافة على منهاج النبوة) من وثائق حول خلفيات مقاطعة الانتخابات السابقة لأوانها والمقررة يوم 25 من الشهر المقبل، وإذا كان العود أحمد فإنه لدى جماعة الروكي الجديد أقبح، لأنها عادت وكلها اضطراب في تحليل الواقع السياسي.
فمقاطعة الانتخابات ليست لعبة يتسلى بها أطفال السياسة وإنما جزء مهم من حسابات السياسة والسياسيين، غير أنها لدى الجماعة لا هي تلك ولا هاته وإنما وسيلة للهروب من المسؤولية التاريخية، لأنه حتى لو تم تنظيم انتخابات بمقاييس ومعايير الجماعة فإنها لن تحصل إلا على الفتات إلا إذا استعملت الخطاب الديني أو هذه الخلطة العجيبة بين التصوف في صيغته المنحرفة والسياسة في صيغتها التنطعية.
فعبد السلام ياسين ليس سوى متنطعا يدعي مقاما من مقامات النبوة وهو التائه في دنيا الله الواسعة ولما بلغ الأربعين، أي سن النضج الديني، جمع حقائبه وحاول التوجه للهند لممارسة اليوغا، ولما استفاق وجد نفسه مؤهلا لخلافة الله في الأرض فأنتج هذا الخليط الذي لا يحترم حدود المنطق وقوانين الطبيعة وشريعة السماء.
هذه الخلطة مؤثرة في مواقف الرجل وبالتبع تتحول إلى "طليعته المجاهدة" ومن تمة فإن موقف المقاطعة ليس مبنيا على أسس علمية دارسة لأصول السياسية وعارفة بمعطيات الواقع، ولكن موقف مسبق يتم إنشاء جمل غير مفيدة إلى جانبه كي يظهر للعيان أنه موقف رزين.
فعندما نقرأ الوثيقة الأخيرة المعنونة بـ"العدل والإحسان: لهذه الأسباب الدستورية والسياسية والقانونية نقاطع الانتخابات وندعو إلى مقاطعتها" والصادرة عما يسمى لجنة التتبع السياسية المنبثقة عن دورة أكتوبر للمجلس القطري، ونحمد الله أنها صادرة عن مجلس قطري فلو صدرت عن مجلس عالمي لكنا في خبر كان ويصدق عليهم قول الله تعالى "بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أعظم"، عندما نقرأ هذه الوثيقة نرى بسرعة البرق الاضطراب الكبير في تحديد موقف أكبر من الجماعة.
فهو من جهة يستعرض مجموعة من مسؤوليات الملك كما حددها الدستور الجديد، وهذه ليست سرا تحتاج للكشف، ولكن بلهاء الجماعة جعلوا منها فتحا مبينا، لكن الذي لم يفهموه هو أن الدستور الجديد وضع فصلا منهجيا بين كل الوظائف، بين وظائف المؤسسة الدينية والمدنية، وبين وظائف الملك ووظائف الحكومة ووظائف الأحزاب والمجتمع المدني، وهذا الفصل هو معيار ومقياس المحاسبة.
ومن جهة ثانية استعرض مجموعة من المعطيات حول القوانين الانتخابية التي ليست سوى ملاحظات العدالة والتنمية خلال مرحلة إعداد ومناقشة القوانين المذكورة والتصويت عليها.
قالت وثيقة الروكي الجديد "المناخ السياسي الذي تجري فيه الانتخابات يعد مقياسا أساسيا لمدى ديمقراطية تلك الانتخابات ومدى تنافسيتها ولعل العديد من المتتبعين للمشهد السياسي يجزمون بأن هناك اختلالات سياسية كبرى تطرح على الانتخابات المقبلة أكثر من سؤال، منها سؤال الجدوى من تنظيم انتخابات في مناخ استبدادي".
طبعا لأن المناخ السياسي مقياس لمدى ديمقراطية الانتخابات، والمناخ السياسي الذي تجري فيه الانتخابات هو مناخ مطبوع بخطاب التاسع من مارس الثوري ومطبوع بسرعة استجابة المؤسسة الملكية لمطالب الشعب كعادتها واحتضان ثورة الشعب حتى حق للكثيرين تسميتها بثورة الملك والشعب الثانية، أما الحديث عن مناخ استبدادي فهي مزايدة الروكي، الذي يسعى إلى مرتبة حتى بعد وفاته لكنه ما زال في فيلته الواسعة الشاسعة التي يؤدي ثمنها فقراء الجماعة، فلو كان فعلا المناخ مناخ اسبتداد فهل كان بإمكان الجماعة أن تسرح وتمرح كما شاءت؟