محمد الفيلالي
أدى الانتصار الذي حققه المغرب في القمة الإفريقية الثامنة والعشرين بأديس أبابا، والمتمثل في عودته إلى الاتحاد الإفريقي مرفوع الرأس ومدعوما بأغلبية ساحقة من الدول الإفريقية، إلى إرباك الحسابات التافهة للخصوم الذين لم يدخروا جهدا لإبقاء هيمنتهم على المنتظم الإفريقي.
وقد حاولوا التغطية على هزيمة مخططاتهم باللجوء إلى الكذب المكشوف والادعاء الهادف إلى التغليط، مما جعل ارتباكهم أكثر انفضاحا، ذلك أنهم حاولوا الترويج لفكرة مفادها أنهم ربحوا بعودة المغرب للاتحاد الإفريقي وأن بوتفليقة نفسه أوصى بدعم هذه العودة، وجعلوا أنفسهم في موقع يثير الشفقة أكثر مما يثير القرف، إذ يعرف الخاص والعام، وبالتفاصيل المملة أن الجزائر وجنوب إفريقيا، ومن ورائهما الانفصاليين وقلة من الدول، قد استعملوا زوما قبل القمة وعملوا خلالها بهدف عرقلة هذه العودة.
وكان هؤلاء الخصوم يرغبون في ممارسة طرقهم في الإحراج والابتزاز إلى آخر لحظة لكنهم ووجهوا بإصرار أغلبية الدول الإفريقية على إنهاء التلاعب والتصرف الهيمني لرئيس جنوب إفريقيا، الذي ناب عن الرئيس بوتفليقة العاجز في محاولة أخيرة لتحويل اتجاه القرار أو تعطيله. فلائحة الدول التسعة والثلاثين التي ساندت عودة المغرب معروفة وتلك التي كانت ستصوت بالامتناع أو مع المغرب معروفة والدول التي أدمنت على موقف عدائي تجاه المغرب فيما يتعلق بوحدته الترابية وغيره معروفة، والانفصاليون كانوا كعادتهم معولين على محتضنيهم كي ينقذوهم من عودة لها تبعات، ومنها خروجهم عاجلا أو آجلا من منظمة دخلوا إليها بأساليب الغدر والتدليس وشراء الذمم.
وحاولوا الترويج كذلك لفكرة بليدة مفادها أن المغرب بدخوله للاتحاد الإفريقي يكون قد قبل بكل ما وجده وتنازل عن كل مواقفه واعترف بجمهورية الوهم وبالحدود الموروثة عن الاستعمار وهلم جرا، أي بما كانوا يستخدمونه ذريعة لإحراجه وإغلاق الأبواب أمام دخوله للبيت الإفريقي، لكن الجميع يعرف أن الدول الإفريقية لم تطرح أي شرط على المغرب وأن المغرب لم يكن ليقبل بأي شرط، وخصوصا إذا كان يمس بوحدته الترابية وسيادته الوطنية، ويعرف كذلك أن دستوره يحصنه بقوة كما تحصنه مؤسساته ويحصنه شعبه المجمِع على قدسية وحدة التراب الوطني في حدود المغرب الحقيقية. وقد كان خطاب الملك محمد السادس أمام القمة واضحا في هذا الشأن وبشكل لا يترك مجالا لأي تأويل. إنها كذبة أخرى مكشوفة لا يمكن أن تنطلي على المصابين بالبله وتحجر المخ.
إنها كذبات مكشوفة زاد من انكشافها ردود الفعل الصادرة في جنوب إفريقيا التي أقر الحزب الحاكم فيها ووسائل الإعلام الموالية له أن عودة المغرب للاتحاد الإفريقي انتصار له وهزيمة لخصومه، ومن بينهم زوما وزوجته السابقة التي ستؤدي لا محالة ثمن هزيمتها، وأيضا ردود الفعل الصادرة عن عدد من الصحراويين المقتنعين بالفكرة الانفصالية الذين اكتشفوا أن ما كان يقال لهم عن المغرب وعن الجزائر وعن الحركة الانفصالية للإبقاء عليهم في حالة غيبوبة لا أساس له من الصحة وأن المغرب قوي أيضا في الساحة الدبلوماسية الإفريقية وقادر على تغيير موازين القوى لصالحه وعزل الانفصاليين ومن يمسك بآلة توجيههم لخدمة مصالحه الإقليمية ولو بالإبقاء عليهم في حالة بؤس وتأخر.
وقد كانت صيحة أحد الصحراويين على الانترنيت في هذا الإطار: "أين ذهبت فلوس الجزائر". فبغض النظر عن كون الصيحة تقر أن الجزائر لجأت دائما لشراء المواقف المعادية للمغرب ووحدته الترابية بالبترودولار، فإنها تشير إلى أن تغيرا كبيرا حصل بوجود قيادات إفريقية جديدة لا تحدد مواقفها بالرشوة أو بالإيديولوجيا وترغب في أن ترى بلدانها تسير على طريق التنمية والأمن والاستقرار في إطار شراكات منتجة، من قبيل تلك التي يعرضها المغرب بوضوح ويسهر على إنجاحها عمليا، وهذا ما يجعل الانفصاليين يشعرون بأن أفق الوهم يضيق يوما عن يوم وأنه لا بديل عن الدخول في حوار جدي لإيجاد الحل السياسي الذي يسعى إليه المغرب دائما بروح إيجابية لاسترجاع أبنائه من مخيمات العار وإرجاعهم إلى كنف وطنهم المغرب الذي يوفر لهم فرصة تسيير أمورهم في إطار الحكم الذاتي ويشركهم في نشوء نموذج للحكامة الترابية والديمقراطية.
وتتوالى الأخبار المتحدثة عن أن انتصار المغرب في أديس أبابا قد خلخل البنية الانفصالية، التي تعيش أصلا على إيقاع صراعات، وجعل تبادل الاتهام بشأن المسؤوليات وتصفية الحسابات تخرج من السر إلى العلن، كما أن الانفصاليين الذين عملوا على التغطية على أثر الأزمة السياسية والاقتصادية في الجزائر عليهم بدأوا يشعرون أن محتضنهم صار فعلا مشكلة مؤرقة لهم وأن المشكلة قابلة للتفاقم ولا يمكن حلها بالهروب إلى الإمام وخلق المعارك الدونكيشوطية هنا وهناك في عدد من الساحات.
إن الطرح الانفصالي يعيش اليوم حالة من التوتر بعدما تبين ضعف محتضنين وتراجع محتضنين آخرين ونجاح المغرب في استرجاع قوته في القارة الإفريقية وفي الساحة الدولية، ويقضي العقل بأن يفكر الانفصاليون بمراجعة ذلك الطرح بحساب دقيق كفيل بجعلهم يختارون الحوار الجدي، المتحرر من الضغط والتوجيه، بهدف المصالحة مع وطنهم المغرب والعودة إليه للعيش بكرامة بدل تفجيرها في نزاعات خاسرة.