"حتى ولو طارت معزة" بهذا المنطق القطعي، تتعامل بعض أطياف حركة 20 فبراير مع الواقع، لذلك فإنها تصر على النزول إلى الشارع كل أيام الآحاد. و بالرغم من أن الشعارات التي رفعتها الحركة تجد صداها في مسودة الدستور، فإن هذه الأطياف لاتريد أن تعتقع ــ تماما ــ بهذا المشروع حتى من قبل أن تطلع على تفاصيله بابا بابا فصلا فصلا... لقد أتاحت الحركة لشباب كان يتواصل في العالم الافتراضي التعبير ـ على أرض الواقع ـ عن الأحلام التي كانت تدغدغ مخيلته، والأفكار التي كانت تجول بخاطره، ولم تذهب كل الصيحات سدى، غير أن الذين سعوا إلى "تجييش" هذا الشباب واستعماله دروعا بشرية أو حماما زجالا لازالوا يراهنون على المزيد من المغامرات والمؤامرات من تحت الطاولة. أحيانا جرى تلغيم هذا الشباب بـ "العبوات الناسفة" بغية تفجير الشوارع كما فعلت العدل والإحسان، وأحيانا أخرى تم تحميله الرسائل كما فعلت بعض الأحزاب السياسية التي تريد أن تتفاوض تحت جنح الظلام و تتسلم المقابل، غير أن عقلاء الحركة أفلتوا من القبضتين معا. لكن هناك اليوم من يريد ركوب موجة 20 فبراير من جديد من خلال الدعوة إلى إحداث لجنة تأسيسية لصياغة الدستور...إنه خيار من بين خيارات عدة، ولقد قبلت الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني بخيار اللجنة الاستشارية، وإلا لماذا تسابقوا على تسليمها مذكراتهم؟ لأن على الذي يقبل ب "اللعب" أن يحترم قوانين اللعبة. والأكيد أن لدى كل الهيئات الوقت الكافي، أثناء الحملة الاستفتائية، من أجل إعلان الموقف المناسب من هذا المشروع. فلا أحد سيلزمهم بقول نعم أو لا، ولا أحد يريد دستورا ب99 في المائة، بل تصويتا يعكس الإرادة الحقيقية للناخبين. إن ما يزعج بعض الأحزاب هو تخوفها من الأجندة الانتخابية، وفزعها من فقدان المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية، لا لأنها غير مستعدة للانتخابات على نحو كافي، وإنما لأن رصيدها النضالي تآكل ، ولأن الولاة والعمال والباشوات والقواد والشيوخ والمقدمين لن يتدخلوا لتزوير الانتخابات لصالح "مناضليها". أما ما يخشاه المتحكون في شباب 20 فبراير، وهم معدودون على رؤوس الأصابع، هو أن لا يجدوا موقعا لهم في الحراك الجديد الذي سيفرزه الدستور الجديد، والأهم هو نضوب صوابير الدعم الداخلي والخارجي. وحبذا لو عملت هذه الأحزاب بنصيحة نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، تمارا ويتس، التي صرحت وهي تزور المغرب أن "الديمقراطية ليست هي الانتخابات فقط، لأن الانتخاب يمكن أن توصل إلى السلطة غير المؤمنين بها"، لكن الديمقراطية " قيم، من بينها الحرية والعدالة والكرامة كما هي تعهد وضمان لحقوق الأقليات والأغلبية في نفس الوقت، وضمان حقوق المرأة واحترام حقوق الإنسان في كونيتها". إن اللحظة التاريخية ليست لحظة للاحتجاج أو الضغط أو الابتزاز، بل لحظة احتكام إلى صناديق الاقتراع، وسيكون من السابق لأوانه إعلان القبول أو الرفض، لأن القبول يعني تحمل المسؤولية أما الرفض فيُبقي دائما على خيارين اثنين.