المعطي منجيب، بطل مقالنا هذا يأبى إلا أن يعاكس تيارات الفكر السياسي المعاصر ليحتجزنا داخل زنزانة مظلمة من أطلال اليسار السحيق، دون أن يبخل علينا ببعض مواقفه “المرضية” الرافضة لكل شيء، المعترضة عن أي شيء…، هو نوع جديد من الفكر اليساري-الرافضي، يأبى مناضلنا المعطي منجيب إلا أن يلبسه معطف النفعية ويدفئه بجبة السياسة-التكسبية.
وبدوره يأبى الزمان، ومن أتون التاريخ البائدة، إلا أن يتجشأ علينا من حاوية الإيديولوجيات البئيسة، بعض العقليات الرجعية التي لا زالت تتخبط في مدارات التاريخ، علما أن للتاريخ نهاية حتمية سائر إليها، كما أخبرنا المفكر الأمريكي من أصول يابانية فرانسيس فوكوياما (صاحب نظرية نهاية التاريخ).
من جامعات فرنسا، حيث كان يدرس لطلبته مادة التاريخ، جاءنا أستاذنا الثوري المجدد بتعاويذ إيديولوجية ناقمة عن الذات وعن الآخر، فمنذ عودته إلى المغرب سنة 2008 وأوجاع الثورية الحاقدة تقض مضجعه بحثا عن نصف فرصة لنيل شرف إلحاق الأذى بالوطن الذي ينتمي إليه… دون أن ينتمي إليه، ولقد كانت هبوب رياح الربيع العربي كفيلة بإخراج خفاش اليسار الراديكالي المعطي منجيب من وكره وتحريره من قيود الإنتظارية للزج به إلى “شرف” المجاهرة بعداوة الوطن.
فكيف لهذا “المثقف” و”الحقوقي” أن يتعالى على القضاء والقانون، ويعتبر نفسه غير معني به، وأن كل محاولة لمساءلته ما هي إلا مساس بحريته واستهدافا لآرائه ومواقفه؟؟
لكن حين اتضحت طبيعة شخصية هذا الرجل انجلى كل استغراب، فعلى خطى غيره من المومياءات المتربصة بحصون المملكة، عمد المعطي منجيب إلى خلق غطاء قانوني يخفي قناعاته ومشاريعه الراديكالية الساعية إلى المساس بأمن الدولة واستقرارها، بحيث لم يتأخر في إنشاء “مركز الدراسات والأبحاث إبن رشد”، الذي وفر له المظلة القانونية اللازمة لتنفيذ مشاريعه التخريبية، وأيضا فضاء شرعيا لتلقين أتباعه “فقه” تخريب الوطن، وهو الإطار الجمعوي الذي لم يلبث أن حضي بعناية فائقة و حضانة مالية غير مشروطة من جهات خارجية، خاصة من هولندا و الدانمرك، تتقاسم معه “عقدة” الحقد على أركان هذا الوطن.
وفي جمع فريد بين عقيدة اليسار ومحفظة الباطرونا، حول المعطي منجيب هذا المركز إلى شركة ذات مسؤولية محدودة برع في إخفاء هويتها المالية حيث قام رفقة شقيقته، باعتبارهما المساهمين الوحيدين في أصولها، بتوزيع حساباتها البنكية على أفراد عائلته، مع خلق حسابات توفير بأسمائهم تؤمن له بصفة دورية فوائد مالية مهمة موزعة على فترات زمنية تتراوح ما بين ستة أشهر وسنة.
وبعد أن فطن مناضل اليسار-الرأسمالي إلى اقتراب سقوطه في ميزان المحاسبة على إثر عمليات الإفتحاص التي يقوم بها المجلس الأعلى للحسابات حول مصادر تمويل الجمعيات، نظرا للدعم الأجنبي غير القانوني والمشبوه الذي كان يتلقاه وبسخاء من الخارج غطاؤه الجمعوي، بادر المعطي منجيب بطل اليسار- المركنتيلي إلى الإعلان عن حل “مركز الدراسات والأبحاث ابن رشد” عندما أيقن من التفاف حبل العدالة حول رقبته، بعد الاختلالات الفاضحة التي ثم رصدها في ميزانية تسيير هذا المركز-“الشركة” ليتم متابعته بتهمة التهرب الضريبي والفساد المالي، وهي المتابعات القضائية التي يحاول جاهدا أن يفقدها مصداقيتها من خلال الترويج المغرض لتعرضه للقمع والتضييق من طرف السلطات.
وكغيره من الخفافيش التي لا تستطيع العيش إلا في الظلام، رجع المعطي منجيب إلى خبرته الحافلة في التمويه وأسلوب الكتائب السرية من خلال الإيهام بانسحابه من الساحة الجمعوية الوطنية، والدفع بأتباعه المتربعة على عروش بعض الجمعيات مثل “الجمعية المغربية للحقوق الرقمية” و”الجمعية المغربية للتحقيق الصحفي” الذين لم يتوانوا في تلبية نداء منظرهم ومزودهم الرسمي بالأموال الأجنبية التي تجود بها الجهات الخارجية التابعة له، مسخرا في سبيل ذلك بعض الحناجر الأجنبية الداعمة له في مشاريعه التخريبية، والتي انضمت إليه في مسلسل الترويج لصورة المعطي منجيب “الحقوقي المضطهد” ، بغرض الضغط على السلطات العمومية لتجميد المتابعات القضائية الصادرة في حقه.
ومع اقتراب مثوله أمام القضاء، لم يتوان المعطي منجيب في شن حملة دعائية مبهرجة واسعة النطاق (الإضراب عن الطعام، تنظيم محاضرات دولية) تفنن خلالها في لعب دور الضحية لخلق جدل تعتيمي حول حقيقة وضعه القانوني، كان آخرها الدعوة على تنظيم ندوة دولية حول موضوع “صحافة القذف” في نادي المحاميين بالرباط، تزامنا مع تاريخ محاكمته اليوم الأربعاء 25 يناير الجاري، حيث تم توجيه الدعوة إلى مجموعة من الصحافيين الذين يتقاسمون معه إناء القطيعة السياسية، على غرار أبو بكر الجامعي وعبد الرزاق برادة وعبد الرحيم برادة و موريس كولدرينك.
هذا الانفصال الفكري والسلوكي لمسار هذا المناضل “الدعي” نجد له صورة واضحة في ازدواجية المعايير التي تحكم رؤيته و تقييمه للأشياء، ففي حين نجد أستاذ الحركة اليسارية- الماركنتيلية المعطي منجيب لا يتوقف على نعت الصحافة الوطنية التي أخذت على عاتقها نزع قناعه التضليلي، ب “بصحافة القذف والتشهير” الدائرة في فلك المخزن، نجده في المقابل يبدي حساسية مفرطة اتجاه أي قلم واع يهدف فضح تجار السياسة التكسبية، فنحن معشر الصحافيين لا نختفي وراء الستارات ومتاهات التعتيم والبروباغندا لنعبر عن آرائنا و مواقفنا الموضوعية، و إنما نقولها بكل صراحة وتجرد… نحن لا مشاكل عندنا مع أصحاب المواقف المشرفة والشريفة سواء كان من اليمين أو من يمين- اليمين أو من اليسار أو يسار-اليسار، وإنما نرفض قطعا أن تستبلد عقول المواطنين و تراوغ فطنة المثقفين في هذا البلد العزيز من طرف شبه حقوقي-ثوري هجين لا ينتمي لا لعقيدة الليلينيين ولا الماركسيين ولا التروتسكيين… وإنما نقول بصراحة مدوية للمعطي منجيب ومن على شاكلته، لا مكان في هذا الوطن لتلاميذ الأوركا” في معترك حقوق الإنسان، و لا مكان لأرباب الإجرام الإيديولوجي ولا لأفواه الاسترزاق السياسي في مجال النضال النقي، الخالي من جشع المتاجرين السياسيين.
الأكوري