مشكل المحللين السياسيين اليوم هي ما يسمى في المدرسة الأمريكية "التحليل بالتمني". كم من محلل يتمنى أن يحدث ما يتمناه فيبني على ذلك الكثير من التوقعات. كثيرون يريدون انتخابات سابقة لأوانها فيبنون عليها توقعاتهم. سياسيون وأشباههم كانوا يشرئبون بأعناقهم "القصيرة" إلى الوزارة فلما فاتتهم يتمنون إعادة الانتخابات وبالتالي يرون أن واقع "البلوكاج" يحتم إعادة الانتخابات من جديد.
نشير بداية إلى أن الانتخابات لها تكلفة مالية قبل نتائجها السياسية. تتطلب الانتخابات زمنا وإعدادا ولوجيستيكا، وبالتالي ميزانية، فهل يقبل الشعب بصرف ملايير جديدة من الميزانية العامة فقط لأن الأحزاب لم تتفاهم؟
دعونا من التكلفة المالية ونناقش هذه الانتخابات السابقة لأوانها سياسيا وقانونيا ودستوريا. لا يمكن إجراء انتخابات سابقة لأوانها إلا إذا تم استنفاد كافة الخيارات والاختيارات الموضوعة أمام من يعنيهم الأمر. ويعتقد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أنه هو المعني بأمر تشكيل الحكومة، وهو وحده من يفرض التحالفات ومن يعين الوزراء.
نكرر للمرة، التي لا عد لها، أن الدستور يجعل سلطة التعيين حاكمة على سلطة الاقتراح، ويعرف بنكيران أنه لا يمتلك سوى السلطة الثانية وأن السلطة الأولى، التي هي من اختصاص الملك دستوريا، لم تقل كلمتها بعد.
وقبل أن يستنفد بنكيران خياراته واختياراته، وهي متعددة قبل التفكير في انتخابات سابقة لأوانها، فإن سلطة التعيين ما زال أمامها العديد من الخيارات والاختيارات قبل الذهاب إلى انتخابات جديدة، وهي السلطة الوحيدة اليوم التي من حقها الإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها، حيث يفرض الدستور أن يخاطب الملك الشعب بقرار حل البرلمان أو إحدى غرفتيه والباقي هي شروط إخبارية فقط وهو الأمر الذي لا ينتبه له المحللون السياسيون.
ويمنح الدستور لرئيس الحكومة حق الدعوة إلى حل البرلمان وفق شروط كثيرة، لكن هذا الحق لا يمتلكه اليوم بنكيران لأنه يحمل صفتين لا تخولانه ذلك. فهو رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الحكومة المعين، وقبل أن يمتلك هذا الحق عليه تشكيل الحكومة وتقديم التصريح والمصادقة عليه كي تصبح الحكومة منصبة.
من خيارات الملك التي يمنحه الدستور إلغاء التعيين الأول وتعيين شخص ثانٍ من الحزب الفائز بالرتبة الأولى، كأن يعين جلالة الملك مثلا مصطفى الرميد أو عزيز رباح مكان عبد الإله بنكيران. دستوريا لا دخل للحزب في هذا التعيين ما دام الدستور ينص في فصله السابع والأربعين على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالانتخابات ووفق نتائجها.
لا دخل للحزب في الشخص الذي يعينه الملك قبولا أو رفضا. هذا التعيين غير معني به هياكل الحزب ما دام الدستور لا ينص على صفة بعينها. فإذا لم يقبل الحزب فهذا شأنه وإذا قرر الانسحاب من البرلمان فهذا أيضا شأنه ولا ينقص من العملية الانتخابية شيئا.