كل من يرفع عقيرته بالإصلاح الإداري ينسى أو يتناسى أنه لا يمكن لكل إصلاح أن ينجح دون أن يأخذ بعين الاعتبار المورد البشري. ويمثل الموظف نواة هذا المورد في الإدارة العمومية، والمفتاح الأساسي لتحديثها وترشيدها ومواكبتها لخدمة المواطن، بالتحسيس والتكوين والتشجيع والعقاب أيضا.
في مجلس مدينة الدارالبيضاء، خلق خبر إلغاء التعويضات عن الأعمال الشاقة والملوثة والساعات الإضافية إحباطا كبيرا وضجيجا وسط الموظفين المرتبين في السلاليم المحصورة بين السلم السادس والتاسع، وهي الفئة الضعيفة من الموظفين الذين يتجه أغلبهم نحو الاقتراض لاستكمال ضروريات الحياة، ويقتطعون أقساط هذه القروض البسيطة، التي ما يكاد ينتهي أحدها حتى يبدأ الآخر، من التعويضات التي يحصلون عليها والتي عمل المجلس على حرمانهم منها.
النقابات التقطت الإشارة ودعت إلى الاحتجاج أمام مجلس المدينة، في انتظار رد فعل عمدتها الذي يبدو أنه سار على خطى مريده في الحزب السيد رئيس الحكومة، الذي ما أن وضع أمامه ملف صناديق التقاعد، حتى سارع إلى وضع كل ثقل الإصلاح على كاهل الموظف البسيط الذي أصبح مطالبا بإصلاح الصناديق من جيبه وعمره أيضا.
والظاهر أن الرجلين اللذين يدعيان البساطة والانتماء إلى الفئات المسحوقة، لا يعلمان القيمة الحقيقية لهاته الكلمات التي يتشدقان بها، فهما معا لا يعلمان أن الموظف البسيط المحشور في السلاليم الدنيا يقتطع من لحمه كي يؤدي أقساط الشقة التي اقتناها بالقروض، والتي يصنفها رفيقهم في الحكومة نبيل بنعبدالله ضمن خانة السكن الاجتماعي، ولكي يؤدوا تكاليف تمدرس أبنائهم سواء في المدرسة العمومية التي تتراجع يوما عن يوم أو في التعليم الخاص الذي يتطلب مصاريف إضافية يحولها هذا الموظف إلى قروض استهلاكية يتدبر أمرها من أجره البسيط، تنضاف إلى ذلك مصاريف استهلاك الماء والكهرباء والعلاج والتنقل… وهي كلها خدمات ترتفع أسعارها كل يوم بفضل التدبير الإصلاحي لحكومة البيجيدي.
نعلم أن للإصلاح ثمن، لكن لا يجب على الموظف البسيط أن يتحمل عبأه كاملا، فالتدبير العقلاني وترشيد النفقات يجب أن يبحث عن مكامن الخلل والثقوب التي تلتهم ميزانية المدينة. لماذا لا يتخلى المجلس مثلا عن سيارات كبار الموظفين والمستشارين، والمتعاقدين مع المدينة بملايين السنتيمات شهريا؟ ولماذا لا يتوجه ترشيد النفقات نحو الموظفين الأشباح الذين ولجوا الوظيفة العمومية من النافذة على يدي مسؤولين كبار ومنتخبين؟ لماذا لا يقوم المجلس باسترجاع أملاكه المكتراة ببخس دراهم إلى محترفي الصفقات ويعمل على مراجعة عقود كرائها بأثمان معقولة تغذي ميزانية الجماعة؟
لقد كنا ننتظر من عمدة أكبر مدينة في المغرب وعاصمتها الاقتصادية وهو المنحذر من حزب رفع شعار الإصلاح ومحاربة الفساد أن يتجه إلى فضح الفساد داخل دواليب المجلس الذي يقوده وأن يكون صارما في مراقبة الصفقات المشبوهة، لكن عوض كل ذلك يتجه السيد العمدة، في إطار سياسة التقشف، إلى الاقتطاع من أجور موظفين بسطاء، سيكون رد فعلهم سلبيا اتجاه الخدمات التي يقدمونها للمواطنين ولإدارتهم وللمدينة ككل.
محمد أبويهدة