بقلم شادي عبد الحميد الحجوجي.
انحرف النقاش حول منع بيع البرقع في بلادنا، وهو نوع من أنواع النقاب، الى هجوم على الدولة المغربية من جهة، واعتبار قرارها بمنع بيع ذلك اللباس الطائفي استهدافا للاسلام (كذا)، و من جهة أخرى الى تبرير غير عقلاني و غير واقعي للقرار عبر الدعوة الى تبني أنواع أخرى من النقاب تكون مختلفة عما استورده لنا الوهابيون مع “فقههم” من جزيرة العرب ومن باكستان وأفغانستان.
الحقيقة أن منع النقاب بجميع أنواعه في المغرب، لأسباب أمنية واضحة، أصبح أمرا ضروريا، ومن يعتبره تعديا على الطبيعة الدينية التاريخية للمملكة و لامارة المؤمنين و للدين و للعفة و للطهارة و باقي الكلام الكبير، لم يفهم أصل المشكل.
القضية ليست دينية يا أحبائي، و حتى لو كان لها هذا الطابع “العقدي”، فمن حق “ولي الأمر” شرعا، أن يمنع تغطية الوجه اذا ما شكل هذا الفعل خطرا داهما على الأمة بأكملها و تهديدا لأمن “رعاياه” و”المستأمنين” على أرضه، باعتماد قاعدة “درء المفاسد (الارهاب و الاجرام والتخفي لتهديد استقرار الناس وطمأنينتهم) مقدم على جلب المصالح (وهي في واقع الأمر مصلحة لا علاقة لها بالوطن، وانما هي مرتبطة بطائفة من المغاربة استوردوا نمط تدين معين بلباسه دون اجتهاد منهم لتبييئه).
يقول تعالى في سورة النور “وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا”، (النور 31)، ويقول ابن مسعود في تفسير الزينة وماظهر منها، ان السوار والدملج والثياب والخلخال والقرط والقلادة، كلها أمور لا حرج في أن يراها الناس على المرأة، وقال ابن عباس ان المقصود في: “إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا”، هو الوجه والكفان.
الوهابيون في المغرب، و الذين يدعون بأنهم “سلفيون”، يريدون تحويل “النقاب” الى فريضة دينية، بل يريدون منا اعتبارها من “مقدسات” المغرب، في حين أن “النقاب” ليس مقدسا في الاسلام حتى يصبح “مقدسا” لدينا، “النقاب” مجرد قناع لاخفاء الوجه، هذا هو تعريفه اللغوي و الواقعي، “النقاب” ليس هو اللباس التي تغطي به المرأة جسدها من أخمص قدميها الى شعر رأسها، “النقاب” هو فقط ذلك “الوشاح” الذي تغطي به النساء وجوههن، و سمي ب”النقاب” لوجود نقبين بمحاذاة العينين، تتعرف المرأة من خلالهما على الطريق.
الوهابيون في المغرب يضللون الناس عندما يعرفون “النقاب” بنفس تعريف “الحجاب” الذي يكشف الوجه و الكفين، ويخلطون المفاهيم بالرجوع الى حديث “النقاب و القفازين”، وأحاديث مشابهة، للتدليل على صواب رأيهم، لكن عليهم أن يدركوا أنهم يعيشون اليوم في القرن الواحد و العشرين، وفي عصر الدولة الحديثة التي من مميزاتها أنها تتعرف على مواطنيها باحتفاظها بملامح وجوههم و بصمات أصابعهم، ولهذا السبب، فاخفاء الوجه و بصمات اليد يعتبر مخالفة لأسس العيش المشترك في هذا الوطن، و يجب أن يجرم قانونا سواء تعلق الأمر بالرجال أو بالنساء.
النقاب هو تغطية الوجه، أي أنه ليس لباسا في الأصل، حتى ندخله في حرية اللباس، (هو مجرد اكسسوار مثل القفازين)، ولذلك تضحكني “الردود المتحمسة” من بعض المنقبات اللائي يجهلن أصلا معنى النقاب، ويعتبرنه “لباسا”، ثم يصرخن بأعلى صوت “لي بغا العرا يمشي يعري مراتو و لا ختو و لا مو” (كذا)، في مستوى نقاش “فكري” عالي المستوى (!).
النقاب يا عزيزاتي، نقيضه ليس هو العري، و لكن عكسه هو كشف الوجه فقط.
أنا أتفهم الوضع الثقافي و التعليمي و الاجتماعي للأغلبية الساحقة من المنقبات في بلادي، فأنا أراهن أكثر في ضواحي المدن و في الأحياء الشعبية حيث الفقر المادي و الفكري يضرب أطنابه، و هن على هذا المستوى مجرد ضحايا للفكر الذكوري المتزمت المتسربل بفقه ديني قرسطوي..
المنقبة التي يستعبدها زوجها أو أي فرد من عائلتها، فيقايض توفيره لأكلها و مأواها بتغطيتها لوجهها، لا يحق لها أن تتكلم عن الحرية، كما أن من تقول بمنع اللباس العصري، لم تفهم بعد بأن هذا اللباس، هو الابن الشرعي للدولة العصرية، بخلاف النقاب الذي كان عادة قديمة للقبائل الصحراوية و الجبلية لاخفاء الوجه عن الزوابع الرملية و عن العدو (للرجال و النساء فيما بعد)، في اطار الغزوات و ما يرتكب فيها من جرائم..
في اطار الرجوع الى الوراء، كتب أحدهم لتبرير تغطية الوجه، بأن جداتنا زمن السعديين أو المرينيين لم يكن لباسهن عبارة عن سراويل “جينز”.. وربما اعتبر أن هذه اشارة “ذكية” و “عالمة” و “مفحمة” لخصومه.. لكننا نذكره فقط، أنه في هذه الفترة التي تفصلنا عنها قرون عدة، حتى جدات الأوروبيين، كما جدات الأسيويين، كما جدات الأفارقة وجدات الهنود الحمر في أمريكا.. لم يكن لباسهن على هذا النحو العصري الذي نراه في هذا القرن، و التطور سنة الحياة، كما أنه ليس كل ما جرى في العهد السعدي أو المريني يصلح مثالا يجدر الاقتداء به.
في الأسبوع المقبل، سنفصل في تهافت أدلة من يعتبرون منع النقاب، أي منع تغطية الوجه، قرارا “مخالفا للشرع وللقانون وحقوق الإنسان” (كذا)، لكن وجب التذكير قبل ذلك، بأنه اذا كان الاسلام قد تبنى النقاب لأسباب محدودة مرحليا، فهذا لا يصمد أمام التحديات و طبيعة الأسس التي يقوم عليها عصرنا الحالي، لأن الاسلام تبنى “الرجم” و “قطع الأعضاء” و”تجارة العبيد والاماء”.. فهل هذا مبرر لندافع عن هذه الأشياء التي تعتبرها الأمم المتحضرة اليوم محض هراء؟
الذين يدافعون عن هذه الأمور يعيشون حالة نفسية مستعصية، وهم أنفسهم من يدافعون عن النقاب، و يطلقون لفظة “الجهاد” على الارهاب..