طرح بعض السياسيين ومن شابههم خيارا وحيدا هو الذي تبقى أمام عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أي إعادة الانتخابات التشريعية، كرد على عدم القدرة على تشكيل أغلبية برلمانية تنبثق عنها الحكومة ووزراؤها، واعتبروا أن الخيار أمام الزعيم الإسلامي اليوم هو وضع المفاتيح من أجل إعادة الانتخابات التشريعية.
وكانت انتخابات السابع من أكتوبر الماضي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى، وعين جلالة الملك في ثالث يوم بعد نتائج الانتخابات أمين عام البيجيدي رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها في احترام تام وكامل لبنود الدستور وللفصل السابع والأربعين منه، وبعد مرور ثلاثة أشهر ونيف ما زال بنكيران لم يشكل الأغلبية ولا الحكومة.
فرض بنكيران نموذجا في المفاوضات أوصله إلى الباب المسدود، فهو يعتقد أن الرتبة الأولى تمنحه أحقية اختيار الحكومة بطريقته الخاصة، وأن يشرك من يشاء من الأحزاب السياسية لكن بشروطه، مع العلم أن المفاوضات ليست فيها شروط وإنما شرطها الوحيد هو الجلوس على طاولة المفاوضات والتوافق على اختيارات.
في البداية كان أمام بنكيران فرصة تشكيل حكومة من العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، لكن بنكيران أصر على إشراك التجمع الوطني للأحرار باعتباره رافعة لرجال المال والأعمال الذين ظل في خصام معهم طوال الخمس سنوات الماضية.
اليوم تغيرت الظروف والأوضاع، وحتمت اللعبة الديمقراطية وتوجهات المغرب نحو العودة إلى الاتحاد الإفريقي انتخاب رئيس مجلس النواب وهيكلته قبل تشكيل الحكومة، مما أصبح يحتم على بنكيران إشراك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، أو تنازل الاتحاد مع مساندته للحكومة وهو أمر غير متوقع.
إذن لابد أن تبدأ مفاوضات أخرى وفق المعطيات الجديدة، ووفق الفرز الحالي بعد التخلي عن حزب الاستقلال وبعد انتخاب رئيس اللجنة الإدارية للاتحاد رئيسا لمجلس النواب، وغير ذلك مجرد تمنيات لبعض الزعماء أو صغارهم الذين كانوا يتطلعون للوزارات فهربت منهم.
يطرحون اليوم على بنكيران خيارا وحيدا هو العودة إلى صناديق الاقتراع، وهذه العودة تشبه المثل القائل "آخر الدواء الكي"، فصناديق الاقتراع من باب آخر الكي وليس في بدايته أو سوطه، فتأخر تشكيل الأغلبية لا يعني أن بنكيران استنفد كل شيء في المفاوضات بل لم يصل إلى وسطها، والتأخير مسؤوليته.
وفي عدد الغد سنتطرق إن شاء الله إلى الخيارات الأخرى بعد أن يكون بنكيران قد استنفد كل طرقه في تشكيل الأغلبية، وهل سيصل الأمر إلى إعادة الانتخابات أم أن هناك خيارات أخرى وما هي خيارات المؤسسة التي منحها الدستور سلطة التعيين أي المؤسسة الملكية؟
فعملية تشكيل الحكومة ليست حسابات تتعلق برئيس الحكومة المعين ولكن بسلطة التعيين أيضا.
إذن بنكيران لم يستنفد كل الخطوات الممكنة، وقبل أن نمر إلى انتخابات سابقة لأوانها لا بد من معرفة جواب سلطة التعيين. في عدد الغد نفصل في هذه القضية.