محمد الفيلالي
كتب توفيق بوعشرين في إحدى افتتاحياته أن ورقة حزب الاستقلال صارت في جيب بنكيران، بعدما قرر الاستقلاليون مساندة حكومة برئاسة رئيس الإسلاميين سواء شاركوا فيها أم لم يشاركوا.
وإذا لم يكن بنكيران نفسه من أوحى لبوعشرين بالفكرة، فإن هذا الأخير يكون قد أثر على رئيس الحكومة بشكل سيء وأقنعه أنه وصل إلى مرحلة وضع حزب، بتاريخ لا يحتاج إلى تقديم، في "بزطامه" أو جيبه الصغير وجعله يتصرف معه ومع غيره بمنطق بدأ الكلام وانتهى الكلام الذي ألف استعماله مع كتائب حزبه .
هكذا، وبعد أن لم يرد على اللجنة الثلاثية التي بعثها له حزب الاستقلال بعد انتهاء اجتماع مجلسه الوطني، وجاء ذلك الرد عن طريق بلاغ للأمانة العامة للعدالة والتنمية، التي تحولت إلى دولة موازية تصدر القرارات في من يشارك أو لا يشارك في الحكومة ومن هو مقبول بشكل مشروط ومن هو مرفوض ومنبوذ ويجب تسليط الكتائب عليه لنهشه، كرر العدالة والتنمية سلوكه المتعالي مع حزب الاستقلال بشأن انتخاب رئيس مجلس النواب، حيث اعتبره تابعا كنبيل بنعبد الله وسيتصرف بالتقليد والتشبه كما يتصرف الببغاء وسيعبر بصوت سيده في النهاية، لكن هذا الغرور المهين استفز الاستقلاليين الذين رأوا أن بنكيران ورطهم في موقف ما كانوا ليتخذوه لولا إعلان شباط عن التزامه بالتحالف معه في السراء والضراء.
ذلك أن بنكيران حسب حسابه واتخذ الموقف الذي اعتبره مناسبا لحزبه ولم يهتم بإخبار حليفه بأنه لن يقدم مرشحا لرئاسة مجلس النواب وأنه لن يقاطع التصويت ولن ينسحب من الجلسة، وهذا ما نبه الاستقلاليين مرة أخرى، بعد التخلي عنهم في مسودة الحكومة التي لم تتكون، إلى أن الرجل ما يزال كما كان وأنه يحسب لحزبه فقط، بعد شخصه، وليذهب الجميع بعد ذلك إلى الجحيم. فقصة القلب على القلب إنما تلعب دورها في التواصل وربح الوقت في انتظار الغنيمة.
هكذا شعر الاستقلاليون ب"الحكرة" وانتفضوا وإن بشكل متأخر على بنكيران وقالوا له ما يفكر فيه بصوت عال في جريدة العلم، ومما جاء فيه:
"وكان لافتا جدا بالنسبة للفريق الاستقلالي ولقيادة حزب الاستقلال الطريقة الفجة التي تعاملت بها قيادة حزب العادلة والتنمية في هذا الصدد، حيث انتظرت القيادة الاستقلالية من نظيرتها في العدالة والتنمية مخاطبتها في شأن التنسيق فيما يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب، وانتظرت القيادة الاستقلالية إلى أن ينتهي اجتماع الأمانة العامة للعدالة والتنمية الذي التأم يوم الأحد الماضي أي يوما واحدا قبل يوم الانتخاب إلا أن القيادة الاستقلالية لم تتوصل بأي جواب وعملت من خلال البلاغ الصادر عن قيادة حزب العدالة والتنمية والذي عمم بواسطة الصحافة أن الأمانة العامة فوضت لأمينها العام التصرف في ضوء المستجدات.
وكان قد تناهى إلى علم القيادة الاستقلالية أن حزب العدالة والتنمية سيرشح عضوا عنه لشغل هذا المنصب، وقررت قيادة حزب الاستقلال تزكية هذا الترشيح إن حصل فعلا.
الذي حدث أن قيادة العدالة والتنمية لم تتصل بقيادة حزب الاستقلال إلا قبل ساعتين من بداية جلسة انتخاب الرئيس وأبلغتها أن الأمين العام للعدالة والتنمية وطبقا للتفويض الممنوح له قرر أن يصوت فريق العدالة والتنمية بالورقة البيضاء.
وهذا ما رفضته قيادة حزب الاستقلال من حيث الشكل أولا لأن الأمر يتعلق بتنسيق سياسي وليس بإعطاء التعليمات وتبليغ القرارات قصد التنفيذ بانضباط كامل. ولذلك تداول الفريق الاستقلالي الذي تواصلت اجتماعاته طيلة يوم الاثنين الماضي رفقة قيادة الحزب في مجمل المستجدات هذه وعبر أعضاؤه عن امتعاضهم من هذا التصرف المثير الذي أقدمت عليه قيادة حزب العدالة والتنمية التي أخلت بقواعد التنسيق السياسي الحقيقي. وعبروا عن مخاوفهم من أن يكون الأمر يتعلق بصفقة سياسية ارتأى السيد رئيس الحكومة أنها الصيغة الوحيدة المتبقية له للنفاذ بجلده في مسار مشاورات تشكيل حكومة ستوديو مشوهة."
هذه الفقرة تدل، بالنسبة لمن يقرأ الخطاب الاستقلالي كما هو، على أن الحزب في الطريق لقطيعة جديدة مع بنكيران والعدالة والتنمية، لأنه لا يمكن أن يقبل بوضعية "تابعه قفة" التي يريدها له بنكيران وبوعشرين وهو الذي طمح دائما إلى أن يكون الأول والقائد. وإذا ما حدثت القطيعة، فإن بنكيران سيبقى له عكاز بنعبد الله الورقي وسيضعف أكثر في أي مفاوضات محتملة لتشكيل الحكومة. فالتصويت على رئيس مجلس النواب بين له أنه أقلية وإن جاء في صدارة نتائج الانتخابات وسيبقى أقلية ولن يستطيع إلزام أحد بالتحالف معه بالطريقة التي يراها هو أو تلائمه.
حزب الاستقلال بهذا المقال يبدأ انعطافة جديدة سيكون لها ما بعدها بكل تأكيد.