تجتهد جماعة العدل والإحسان لتبرير دعوتها لمقاطعة الانتخابات التشريعية، وتفنن في إقناع نفسها، قبل الآخرين، بهذه المقاطعة، بالرغم من أن المثل الشعبي يقول " إل طلقتها ما توريها دار أباها".
والواقع أن حواريي الشيخ عبدالسلام ياسين قد طلقوا هذه البلاد منذ زمن بعيد، ولم يعد يهمهم مستقلبها إلا على النحو الذي يحقق لهم "القومة" أو "دولة الخلافة"، وهما مشروعا حلمين لا سند لهما في مجتمع يصبو إلى دولة المؤسسات الديمقراطية، واصطدما بصلابة إرادة شعب لا تلين أمام الأساطير والخرفات.
وحين تأتي الآن الجماعة وتعدد ما تعتبره أسبابا دستورية وسياسية وقانونية وتنظيمية، لتفسير المقاطعة، فإنها كمن يصب الماء في الرمل، لأن موقف العدل والإحسان واضح من الدستور، ومن الملكية، ومن البرلمان، ومن الحكومة، ومن القضاء. وما تقوم به اليوم هو تحصيل حاصل، لأن الجماعة:
أولا: اختارت مقاطعة الدستور حتى من قبل الإعلان عن مضامينه، ولا تؤمن بالملكية، وإن ادعت الحرص على صونها، بل بالخلافة، ولا ترى فائدة في مؤسسات يختارها الشعب بمحض إرادته، وإنما بمجالس قطرية معينة، يحكم التعيين فيها التدرج في العلاقة بين المريد والقطب والشيخ، ولا بسلطة تنفيذية تتحمل مسؤولية التدبير المباشر لشؤون البلاد، بل بدائرة ضيقة من الأشخاص ينسجون علاقات سرية مع المصالح الأجنبية من أجل الضغط على الدولة، ولما لا ليّ ذراعها، أو استيراد مذاهب دينية لا مكان لها في نفوس المغاربة.
ثانيا: لا تؤمن العدل والإحسان بالديمقراطية، لأن الديمقراطية، في تقديرها مجرد بدعة، ولو كانت تؤمن حقيقة بها، لقبلت بالانخراط في المسلسل الديمقراطي، و وضعت نفسها في ميزان صناديق الاقتراع عوض هذا الهروب من مواجهة اختيارات الناخبين.
ولهذا لا يحق لمن يفتقر إلى المشروعية القانونية أو ينتقد "لعبة" لا يفقه قواعدها، واختار أن يكون في حالة شرود.
ثالثا: تنشط العدل والإحسان هذه الأيام في سوق بيع الوهم وشرائه، من خلال الاستعانة بالتفاصيل المملة للتدليل على سلامة موقفها، بالرغم من أن لا أحد طلب منها ذلك أو ألزمها به، لأنها تعلم مسبقا أن دعوتها لن تجد من يستجيب لها، ولأنها تعلم أن 33 حزبا اختارت المشاركة، وأن المواطنين متفائلين بما ستحمله الاستحقاقات المقبلة من تغيير، قد يحوّل العدل والإحسان إلى مجرد ذكرى.
ولا شك أن جماعة العدل والإحسان تجد اليوم نفسها، بعد أن أخطأت موعدا مع التاريخ مرتين، الأولى حينما لم تتلقف جيدا الالتفاتة الملكية برفع الإقامة الجبرية عن الشيخ عبدالسلام ياسين، قبل أكثر من عقد من الزمن، والثانية حين رفضت عن قصد تقديم إشارة إيجابية بالتصويت بنعم على دستور محمد السادس، (تجد اليوم نفسها)في وضع الجالس بين كرسيين موزعة بين الولاء لهذه التربة وبين الولاء للذين يوفرون لها الدعم اللازم الذي يجعل الناطق الرسمي بإسمها يوزع كتب الجماعة، ويقوم بالدعاية لها في عز موسم الحج.