اختار حزب الاستقلال في آخر لحظة الانسحاب من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب، التي آلت إلى الحبيب المالكي، رئيس اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي. هل كان أمام حزب الاستقلال خيارات أخرى؟ الانسحاب احتجاج. فعلى من يحتج حزب شباط؟ وعلى ماذا يحتج؟
انتخاب رئيس مجلس النواب لحظة دستورية عميقة. التوافق على شخصية معينة ليست عيبا في كل الديمقراطيات، إلا من يفهم الديمقراطية بشكل ميكانيكي، وهو شكل لا يوجد في العالم. والنائب البرلماني يمثل الناخبين في المؤسسة التشريعية، ولم يفوضوه بأشياء أخرى.
دستوريا ينبغي انتخاب رئيس لمجلس النواب سواء قبل أو بعد تشكيل الحكومة. ولكل حزب التصويت بالطريقة التي تروقه. في الواقع التصويت فردي وليس حزبيا ولكن اللعبة الديمقراطية تقتضي انضباط النائبين لقرارات الحزب. لكن من بين هذه الاختيارات لا يوجد شيء اسمه الانسحاب.
فالرئاسة تكون بين متنافسين، وفي حالتنا كان هناك مرشح واحد بعد امتناع العدالة والتنمية، الفائز بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر، عن ترشيح رئيس برلمانه لمنافسة الحبيب المالكي. إذن المرشح وحد. فالعملية تقتضي من النائب أو الحزب التصويت على المرشح أو التصويت ضده أي الورقة البيضاء كما فعل البيجيدي أو الامتناع، وفي كل هاته الحالات هناك تعبير معين.
فالتصويت على المرشح يهم المتوافقين عليه، والتصويت بالورقة البيضاء يعني عدم الرضا على المرشح لكن الاستمرار في العملية، والامتناع يعني أن صاحبه غير معني بالقضية، وفي الغالب نواب الأحزاب التي لا تتوفر على برلمانيين كثر هم من يلجؤون إلى الامتناع. أما الانسحاب فلا أساس له.
قد يكون للانسحاب كموقف احتجاجي قيمة لو تعلق الأمر بجوهر العملية. فحزب الاستقلال كان متفقا مع العدالة والتنمية على تقديم سعد الدين العثماني مرشحا يصوت عليه البيجيدي والاستقلال والتقدم والاشتراكية، لكن الحزب الأغلبي ارتأى طريقة الورقة البيضاء لأنه لا يريد قطع شعرة معاوية مع التجمع الوطني للأحرار، فرأى حزب الاستقلال أن بنكيران خانه وتعامل بطريقة فجة فقرر الانسحاب.
إذن حزب الاستقلال انسحب لأنه تعرض لخديعة من حليفه العدالة والتنمية، فلو رشح الحزب العثماني للمنافسة لظل الاستقلاليون في مقاعدهم وصوتوا للمرشح المتفق عليه. إذن هو احتجاج على العدالة والتنمية. وما علاقة البيجيدي بالمجلس وانتخابات الرئيس؟ كان على الحزب أن يحتج على حليفه خارج قبة البرلمان ويختار مثلا الامتناع. لأن في احتجاجه على العدالة والتنمية استغلالاً للمؤسسة التشريعية في تصفية حسابات سياسية مع صديق خدعه.
ولهذا يعتبر انسحاب حزب الاستقلال من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب مجرد مزايدة غير منطقية، لأن مكان الاحتجاج ليس المؤسسة التشريعية التي لم يتم فيها خرق أي من القوانين الناظمة، وكانت جلسة دستورية بامتياز بغض النظر عما يراه كل واحد من أحقية هذا الحزب أو ذاك في الرئاسة.