سناء العاجي.
الجميل في نقاشاتنا المغربية، أن البعض لا ينزعج من الدفاع عن الشيء ونقضيه، حسب انتماء الأشخاص المعنيين.
فمثلا، تعد الحرية الجنسية زنا وفسادا… لكن، حين يتم إلقاء القبض على رجل وامرأة ينتميان لحركة دعوية ينضوي تحت لوائها حزب مهم، تصبح حرية فردية يدافع عنها منتدى الكرامة ومعه الكثير من الإسلاميين.
وحين يمنع وزير الاتصال بث إعلانات ألعاب الحظ لأنها محرمة، “ينسى” أن الحرام هو الألعاب نفسها وليس الإعلان عنها. ولأن الوزير لا يستطيع منعها في بلد معظم شركات ألعاب الحظ فيه منتمية للقطاع العام وتمول جزءا كبيرا من أنشطة الحكومة (ومن رواتب الوزراء، بمن فيهم الإسلاميون)، فهو سيكتفي بمنع الإعلانات على التلفزيون العمومي. لكن، حين يفوز ابن محمد يتيم في لعبة البوكير، وحين نقرر أنه ليس من حق أحد أن يحاسب مسؤولا سياسيا بناءا على سلوكيات ابنه، يخرج علينا القيادي الإسلامي بتبرير يجعل البوكير… حلالا.
استهلاك المواد الكحولية أيضا حرام (وهو أمر فيه الكثير من النقاش)… لكن رفع الضرائب عليها من طرف الحكومة التي يترأسها حزب إسلامي… حلال!
والآن، بعد أن قررت السلطات الأمنية منع تصنيع وبيع البرقع، اكتشفنا فجأة أن البرقع… حرية فردية. ياك الحريات الفردية فساد وانحلال وزنا وابتعاد عن “الخصوصية المغربية”؟
هلا تطوع أحد من أصحاب نظرية “البرقع حرية فردية” لكي يشرح لنا كيف يكون البرقع حرية فردية، وتكون التنورة فسادا؟ هل نعتبر البرقع حرية فردية، ونكتب على شاطئ أكادير “No bikini, we are muslims” ثم نهاجم فتاتين ونتابعهما قضائيا بسبب ارتداء تنورة؟ هل نعتبر البرقع حرية فردية ونشمت في فتاتين قتلهما الإرهاب في ناد ليلي؟ هل نعتبر البرقع حرية فردية ونحاكم مراهقين بسبب قبلة؟ هل نرفض مبدأ كونية حقوق الإنسان، بذريعة “الخصوصية المغربية”، ثم ندافع عن البرقع الذي ليس من هذه الخصوصية في شيء؟
كيف يتحدث اليوم عن الحريات الفردية من يبنون خطابهم وتصورهم المجتمعي على رفض مفهوم الحريات الفردية والجنسية وحرية المعتقد؟ يغلفون اللباس الإيديولوجي بغطاء الحرية الفردية وهم يضربون عرض الحائط بمفهوم الحريات الفردية حين لا يناسب ذلك هواهم. يستغلون مفاهيم الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان فقط حين يخدم ذلك أجندتهم.
الحريات الفردية كل لا يتجزأ… ثم، لنقلها صراحة: البرقع ليس حرية شخصية. البرقع لباس يسوق ويدعم إيديولوجية معينة. إيديولوجية تعبر عن نفسها عبر تخوف شديد من جسد المرأة وحضوره في الفضاء العام. إيديولوجية مهووسة بجسد النساء تدافع عن “حرية” ارتداء البرقع وتحارب حرية ارتداء التنورة والبيكيني والمساواة في الحقوق والواجبات. لماذا لا تركز هذه الإيديولوجية ومن يدافعون عنها بنفس الشكل على جسد الرجل (وكأن المرأة لا تفتتن بجسد الرجل الوسيم)؟
هذا دون أن ننسى معطى آخر ليس أقل أهمية: ليس من المقبول أمنيا ولا اجتماعيا أن نتعامل مع أشخاص لا نرى وجوههم ولا نعرف من يختفي خلف غطائهم. المعايير الأمنية تقتضي كشف الوجه. التواصل الإنساني يقتضي كشف الوجه. فهل سنقبل مثلا أن يتجول الرجال بغطاء للوجه كالذي يرتديه أعضاء العصابات (Cagoule)، ونعتبر ذلك حرية شخصية؟ مجرد سؤال…