زينب بنموسى
روي في التراث العربي أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة جميلة في النقاب بشعة في غيره، وكان لها لسان حسن، فأقنعت القاضي بظلم زوجها لها، فما كان من زوجها إلا أن أسرع وأزال النقاب عن وجهها. فلما رآها الأمير قال: عليك اللعنة، كلام مظلوم، ووجه ظالم.
وظلت جملة الأمير مختبئة في التراث، إلى أن أعادها مكر الأحداث اليوم إلى الذاكرة.
يستغرب الملاحظ للتدافع الحاصل بين المدافعين والشاجبين لقرار وزارة الداخلية منع بيع البرقع وخياطته حلاوة لسان الشاجبين المنددين، ويفاجأ ما أن يدرك مقدار القبح والنفاق والكذب خلف حججهم.
فتارة تجدهم يتعلقون بأهداب الحرية الفردية (التي كانت في قاموسهم إلى زمن قريب فسقا وفجورا وخروجا عن الملة، ومسا بالمقدس…)، وتارة تجدهم يلتحفون لحاف الدين، ويكيلون للوزارة الشتائم والدعاوي.
وتارة يجمعون الحرية والدين فيصرخون: “كيف يمنع البرقع في إمارة المؤمنين ويسمح بارتداء الصايات”، غير عابئين بعقولنا، ولا بالجريمة التي يرتكبونها في معنى الحرية، ولا الدين!
والجواب هنا جوابان: واحد منطقي عقلي (لن يفهموه)، مفاده أولا أن الحجاب تقابله حرية تعرية الشعر، أما النقاب فتقابله حرية التعري كليا.
ثانيا أن البرقع دخيل على الثقافة المغربية، والإسلام الشعبي الذي عودنا أن نرى النساء بجلباب ونقاب أبيض يظهر للعيان أنها امرأة، عكس هذا اللباس الدخيل الذي لا يمكنك حتى من معرفة جنس الشخص الذي يرتديه.
سيجيب أحدهم، متحذلقا، أن الصاية والدجين أيضا دخيلان، متناسيا أن لا الدجين ولا الصاية يحمل في جعبته ثقافة مفخخة قد تنفجر في وجه الغير على حين غرة، وأن البرقع ليس لباسا عاديا بقدر ما هو رمز ديني متطرف يهدد السلامة النفسية والجسدية لباقي المواطنين، عكس الصاية التي لا تهدد إلا السلامة الجنسية للمكبوتين.
أما الجواب الثاني فسنسشتهد فيه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “لا تتنقب المرأة ولا تلبس القفازين في حال الإحرام والعمرة”. فهل يتفضل عاقل منهم ويجيب كيف نفرض في الشارع ما منعه الرسول في مكان مقدس تمارس فيه شعيرة دينية؟
ألم يكن أولى بالنقاب أن يفرض في مكان الحج والعمرة، وهو المكان الذي يتقرب فيه العبد من ربه، وتتلامس الأجساد، وتتلاقى الوجوه؟
فكيف يتمسحون بإمارة المؤمنين ويحملونها وزر لباس لم يثبت أبدا أن واحدة من نساء النبي قد ارتدته. أو لعل نساءهم أتقى من أمهات المؤمنين؟
وما بين هذا الجواب وذاك، على المواطن أيا كانت إيديولوجيته وانتماؤه أن يفهم أن أمن الوطن وسلامته أهم بكثير من أي قطعة ملابس قد تحرق صاحبها في يوم ما.
وعليه أن يتذكر أيضا أننا في المغرب تعايشنا فيما بيننا، على اختلاف الأجناس والألوان، زمنا طويلا، وحضرنا الأعراس والحفلات وصلاة الجمع مع جداتنا المنقبات، إلى أن هبت رياح التطرف والتكفير، فأصبح لزاما على الدولة أن تحمي أفرادها.
وعلى نفسها جنت… براقع