لا جدال أن العدل والإحسان تمر بفترة حرجة، بعد الفضائح المتوالية التي هزتها، وبعدما بدأت فصائل حركة 20 فبراير تدرك خطورة "اللعبة"، ومخاطر الطريق التي يرغب مريدو الشيخ ياسين أن يسلكوه، فشرعوا ينفضون عنهم غبار "القومة"، خاصة بعد أن عبثت كلمات "نشطاء" الجماعة بشرف المناضلات، وامتدت أياديهن أحيانا لـ "تعزير "المستعصين عنهم من الشباب.
ويبدو أن النماذج الدموية، في الربيع العربي، تغري العدل والإحسان، لذلك تصر على إقحام المغرب، في نفس خانة تونس ومصر وسوريا وليبيا عل ذلك يفتح لها باب إراقة الدماء، رغم أن لكل بلد إيقاعه وشروطه.
ولاشك أن المقدمات التي اعتمدها المغرب، في مقاربة الحراك الاجتماعي، منذ الوهلة الأولى، قد أثمرت نتائج، تختلف تماما عما وقع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فأصبحت نموذجا يحتذى، ودخل البلد في مسلسل ديمقراطي يسحق انتظارات الذين في قلوبهم مرض، وأصبحوا لا يجدون راحة ولا استقرارا بعد أن تعاظمت حولهم دوائر العزلة، وبارت بضاعتهم بين أيديهم.
وتسعى الجماعة أن تعيد المغرب قرونا إلى الوراء، وأن تحاصر الفكر والثقافة والإبداع، وتنتج نمطا للحياة يكرس الذلة والمسكنة لرجل يحلم، ويؤثث هذا الحلم بكل الترهات الممكنة، ويستبلد المغاربة بمنظومة يَسِمها دولة الخلافة، تتناقض تماما مع طموح الشعب المغربي وأصالته وعمقه الحضاري، الشعب الذي اختار أن ينخرط في مسلسل ديمقراطي شاق ومتعب، ترى فيه العدل والإحسان إجهاضا لـ "ثورتها".
ومهما اجتهدت العدل والإحسان في التضليل، ولو باستحضار التاريخ والجغرافيا، فإن قطار التغيير الذي ركبه المغرب يجعل الجماعة خارج سياق التاريخ الفعلي الذي تصنعه الأمم بالصبر والاجتهاد والإرادة، لا بالذاكرة.
إن هذه اليقظة التي عبر عنها الشعب المغربي من خلال التصويت بـ "نعم" على الدستور تجعله في طليعة الشعوب التي استرجعت التاريخ، واستبقت المستقبل، وارتمت بين أحضان التغيير السلس من دون حاجة إلى الدروس المفتعلة.
ولا شك أن الجماعة حين تنظر اليوم إلى الأمام تجد أن مئات السنين الضوئية تفصلها عن المستقبل، لذلك لا بأس أن تعزي نفسها بالماضي، وتبكي على الأطلال البالية.
إن معركة الشعب المغربي الحقيقية اليوم هي أن لا يلتفت إلى الوراء مهما علت صرخات اليأس، وأن يؤسس للحظة الاستمرارية التي تتناسب وتنسجم مع أمجاده وبصماته التي طالما طبع بها تاريخ وإبداع البشرية.
هذا هو التحدي... وهذه هي المعركة!