هناك حقيقة لا يمكن الاختلاف حولها، بخصوص تأخر تشكيل الحكومة، وهي أن كل جهة تحسب حساباتها… للأحزاب السياسية حساباتها، وللدولة كذلك حساباتها، غير أن المؤسف في كل هذا هو تغليب الحسابات الحزبية في ورش هو أهم من كل الحسابات…
الحكومة تقتضي تصورا لا تسيجه الحسابات الحزبية الضيقة، بما أنها حكومة لكل المغاربة. طبعا يجب أن تراعي دفتر تحملات الحملة الانتخابية لتكون منسجمة مع إرادة صناديق الاقتراع، غير أنه من الضروري أن تأخذ شكلا يضع مصلحة البلاد في الأولوية.
طبعا كل النقاشات الدائرة اليوم في محيط تشكيل الحكومة لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج المزمع تنفيذها، بل النقاش والخلافات بقيت حبيسة التحالفات وتقسيم الغنائم…
من حق رئيس الحكومة المعين أن يبحث عن الأغلبية التي تريحه في تسيير الشأن العام، لكن ليس بمنطق الهيمنة وتكرار التجربة الحكومية السابقة التي لم تكن في مستوى تطلعات المرحلة…
مسألة أساس لابد من التوقف عندها، وهي أن تشكيل الحكومة هذه المرة اتخذت بخصوصه المؤسسة الملكية مسافة، انسجاما مع مقتضيات الدستور. وقد تابع الجميع عدم تدخل المستشارين الملكيين في تشكيل الحكومة، اللهم إلا التنبيه الذي وجهه الملك عن طريق مستشاريه لرئيس الحكومة المعين، إلى ضرورة التسريع، بعدما طالت المدة أكثر من اللازم. وكان التنبيه مبني على انتظارات الملك وانتظارات الشعب المغربي…
لقد كانت الحكومات، وبعض الأساسيات، يباشرها المحيط الملكي بشكل مباشر، ومنها قانون المالية. غير أن هذه المرة تسير الأمور نحو تحقيق نوع من استقلالية السلط، وهذا أمر إيجابي في التجربة الديموقراطية…
من هنا يمكن اعتبار مخاض تشكيل الحكومة، ولو أنه تأخر بشكل لافت، شيئا مقبولا إذا ما كان الأمر يسير نحو التأسيس لممارسة سياسية جديدة تتحمل فيها الأحزاب السياسية المسؤولية كاملة، انسجاما مع التجربة الانتخابية.
غير أن ما ينتظره المغرب، وتبتغيه المرحلة، هو أحزاب سياسية في المستوى تتوفر على برامج دقيقة وواضحة، وتقوم على تظيمات عقلانية تعكس صورة ودور الأحزاب الحقيقية المرتبطة بالمواطنين…
طبعا لا يمكن تثمين كل ما تعيشه التجربة الحزبية اليوم، لأن معظم الأحزاب السياسية منفصلة عن قواعدها، إذا كانت لها قواعد، ومنها أحزاب لا استقلالية لها في القرار، بل منها أحزاب تنتطر التعليمات، وتبحث عنها بشكل بئيس…
جزء كبير مما يقع اليوم في المغرب يعود إلى بعض سلوكات الأحزاب السياسية، التي يظهر أنها لم تستطع مسايرة التطورات المجتمعية، في وقت كان من المفروض أن تكون قاطرة لها. وهذا يطرح على هذه الأحزاب مسؤولية إعادة النظر في توجهاتها وتنظيماتها لكي تخرج من قوقعة الصورية التي بدأت تدخل فيها.
إن التجربة الحزبية في المغرب في حاجة اليوم إلى التقويم بشكل يجعلها تؤدي واجبها. كما أن البلاد في حاجة إلى تحديد القيم الأساسية التي يجب التقيد بها، والعمل من أجلها، وهي ليست سوى قيم الديموقراطية والحداثة والعقلانية والمواطنة، وهذه أشياء لا تقوم لها قائمة إلا بعامل الثقة الذي يجب أن يتجسد بالملموس في السياسات العمومية…