أخيرا تتحرك بركة حزب الاستقلال بعد أربع سنوات من تزعم حميد شباط لأقدم حزب في المغرب.
بيان الاستقلاليين الصادر يوم الخميس الماضي، والذي كان على رأس الموقعين عليه امحمد بوستة وعباس الفاسي، يفشي سر ما كان يقال في الكواليس عن ترؤس شباط لحزب علال الفاسي…
ما جاء في البيان من تعابير تسطر على عدم أهلية شباط لقيادة الاستقلال، يفسر ويتماشى مع الدهشة الكبيرة لثلة من المغاربة بعد سماع خبر انتخاب حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال…
قبل المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال بشهور قليلة، كان مجرد التفكير في أن يترأس شباط هذا الحزب يثير السخرية، لأن مؤتمرات أحزاب الحركة الوطنية كانت دوما محكومة بمذهبية قعد لها أناس مشهود لهم بالنزاهة الفكرية والثقافة الواسعة… غير أن ما حدث أنبأ الجميع بأننا في منعطف جديد وخطير…
هل بيان الاستقلاليين خطوة في اتجاه التصحيح، أم أن المنعطف المذكور مستمر في الدوران، وقد يصل بحزب الاستقلال إلى انشقاق جديد يعمق مرض الأحزاب بالمغرب دون أن يكون للأمر صلة بالتصحيح؟
هو سؤال يبقى معلقا إلى حين. غير أن مجريات الأحداث تبرز أن هناك خطأ في المنطلق.
لا أرغب في الحديث عن شخص شباط ولا مستواه الفكري والسياسي. ولا رغبة لي في الحديث عن الشأن الداخلي لحزب الاستقلال، غير أن الشأن الحزبي في شموليته يعنينا كمغاربة، انطلاقا من قناعة راسخة بربط الممارسة الديموقراطية بوجود أحزاب سياسية واضحة المذاهب ومستقلة القرار.
استقلالية القرار. هذا هو مربط الفرس. وهنا يقودنا الحديث إلى ما يحدث بأحزابنا السياسية في السنوات الأخيرة، وما يقال بكون القيادة يتم صنعها خارج إرادة الأحزاب.
لست هنا لأؤكد أو أنفي هذا الاتهام، غير أن ما يحدث بأحزاب سياسية كانت إلى وقت قريب تتصدر المشهد السياسي، ترأسها أشخاص بشكل يثير الشكوك، يطرح بشكل جدي مسألة الاستقلالية.
ليس لدينا ما يؤكد أو ينفي ما يقال من أن جهة ما هي التي يسرت للعديد من القيادات الحزبية في المشهد السياسي المغربي، بلوغ مراتب تلك القيادة. غير أن منطق الأشياء يفرض أن تبتعد أجهزة الدولة الأخرى عن المشهد الحزبي، وذلك لتتوفر البلاد على أحزاب سياسية حقيقية.
إن الأحزاب السياسية لا يمكن أن تؤدي المهمة المنوطة بها إلا إذا كانت تقوم على أسس طبيعية يفرضها منطق التحولات المجتمعية.
المقبول في منطق الديموقراطية، ومنطق التدافع أن يدبر المجتمع تصارعاته بشكل طبيعي، لا اصطناعية فيه. ومهما وقع فإن التدخل في شؤون الأحزاب لا يمكن أن يخدم الديموقراطية، بل قد يخلق الأمر واقعا اصطناعيا لا يمكن التنبؤ بنتائجه. إن الاصطناعية المجتمعية هي بنفس خطورة التجارب البيولوجية، التي قد تنتج إحيائيات غير طبيعية قد تكون مضرة.
على كل حال، نتمنى أن يراجع المشهد السياسي نفسه بعد السنوات الأربع أو الخمس الماضية. والأمل طبعا هو أن تعود الحياة الحزبية إلى سابق تأطيرها ببرامج وتصورات ومذاهب، تكون قاطرة البلاد في الحداثة والديموقراطية والوطنية…
لقد تابعنا عبثا حقيقيا في السنوات الأخيرة، أظهر تفاهة مجموعة من المواقف. وفي ذلك ظهرت النخب السياسية بصورة لا يمكن أن تقنع المواطنين، فكان أن زادت جرعة فقدان الثقة في السياسيين وفي الإدارة. وقد وجه المغاربة الرسائل تلو الأخرى، بالعزوف وتدني نسبة المشاركة، وبممارسات أخرى مختلفة، ومرضية أحيانا. غير أن تلك الرسائل ربما لم تقرأ بالشكل المطلوب، فهل حانت ساعة الاستيقاظ؟
بقلم حكيم بلمداحي