أفهم من التدين أنه علاقة روحية مع الخالق، وكثيرا من الحرص على الأخلاق والقيم، على الكرم الإنساني، على التآخي وزرع الفرحة في قلوب من يحيطون بنا ومن تضعهم الحياة في طريقنا، حتى لو كان ذلك عن طريق صدفة عابرة.
لكن الكثيرين حولنا قرروا أن يجعلوا من تدينهم عنوانا للعنف وللكراهية، في كل الظروف وتحت كل المسميات. يعتبرون أن تدينهم هو بالأساس وفي عمق هويته، كره الآخر ونبذه. لذلك تجدهم يقيسون إيمانهم بمدى قدرتهم على صد الآخر وعلى زرع الكراهية.
هكذا، تتحول مناسبات عادية، يفترض أن تكون فرصا جديدة لزرع السعادة والحب، إلى مرمى نسدد نحوه مشاعر الكراهية. وبدل الاحتفال بسنة جديدة، تجد الكثيرين يستغلونها لفرض لغة الإقصاء: “الاحتفال بالسنة الميلادية حرام”. “تهنئة النصارى بأعيادهم حرام”. “كون صامو معانا كون سكرنا معاهم”. تفتقت عبقرية البعض على مستوى أكبر من العدوانية والإقصاء، حيث انتشرت عبارات تترجم أن أصحابها لا يكتفون بعدم التهنئة، بل أنهم يرفضون تقبل التهاني بمناسبة رأس السنة.
أولا، وفي إطار إغناء الثقافة العامة، المسيحيون لا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح يوم 31 دجنبر بل يوم 25 منه. تماما كما يحتفل المسلمون بميلاد رسولهم يوم 12 ربيع الأول وليس يوم فاتح محرم. تفاهمنا؟ علما أن معظم هذه المواعيد التي تؤرخ لميلاد الأنبياء… غير أكيدة تاريخيا. لكن هذا موضوع آخر.
ثانيا، أنت لست مجبرا على السكر لكي تحتفل بنهاية السنة الجديدة. علما أن “اللي كيسكر”، مسيحيا كان أو مسلما أو ملحدا، لا ينتظر نهاية السنة الميلادية لكي يفعل… ولا هو يطلب إذنك.
ثالثا، ألا تنتبهون أعزائي أصحاب “أنا لست نصرانيا” إلى أننا نحتفي فقط ببداية سنة جديدة حسب تقويم نتعامل به لتحديد مواعيدنا المهنية والشخصية، مواعيد زيارة الطبيب وصدور الجريدة ومواعيد الأعراس والأسفار؟ وهذا يطرح علينا مجددا سؤال التقويم الهجري الذي نرفض أن نتعامل معه بشكل علمي (لأن العلم يمكن اليوم من حسابه بشكل دقيق، بل وأكثر دقة من مراقبة الهلال) ونصر على البقاء في خانة “التشاش” كلما تعلق الأمر بتحديد مواعيدنا قبيل مناسبات دينية تؤثر على سير الحياة اليومية.
رابعا، تخيل أن الإسلام يعطيك الحق، كرجل، في الزواج من مسيحية أو يهودية. أسرتها، التي ستحتفظ على الأرجح بديانتها، تصبح أيضا أسرتك وأسرة أطفالك. فهل ستحتفل معهم بأعيادهم الدينية (مع التذكير بأن نهاية السنة الميلادية ليست عيدا مسيحيا في الأساس) أم أنك ستسيتقظ مكفهرا في وجوههم، في يوم هو عيد بالنسبة لهم؟
خامسا، وهذا الأهم: الحرام أعزائي ليس هو أن نهنئ الآخرين بأعياد لا نعتبرها تعنينا، ولا أن نتقبل منهم التهاني. الحرام الحقيقي هو أن يقتل البعض باسم الدين وأن يبرر البعض الآخر هذا العنف. الحرام هو كل الجهل والفقر والظلم الذي يعيش تحت وطأته الكثير منا، دون أن نسعى لتغييره، ونبقى مصرين مع ذلك أننا خير أمة أخرجت للناس. باش؟ بالأمية؟ بالجهل؟ بالفقر؟ بالتسول؟ بالظلم؟ بالتحرش؟ بهضم حقوق الأقليات؟ بالديكتاتورية؟…
ومع كل هذا… يأتي عليك “قافْز” لا يرى الحرام إلا في الاحتفال بنهاية السنة الميلادية. إيوا باز…
سناء العاجي