محمد بوداري
يعتمد النظام الجزائري في مواجهته للحراك الشعبي الذي يمور به المجتمع الجزائري منذ سنين، وخاصة في المناطق ذات الخصوصية الأمازيغية كما هو الشأن بالقبايل ومنطقة مزاب، (يعتمد) على استراتيجيات مختلفة ترتكز أساسا على تشويه طبيعة الحراك وشيطنة المسؤولين عنه، وذلك بغية تسهيل عملية القضاء عليه وإفشاله قبل أن يتخذ شكل حركة اجتماعية شاملة قد تعصف بمصالح النافذين في الحكم وتقضي على الطغمة العسكرية المتحكمة في البلاد منذ استقلالها سنة 1962..
وفي هذا الإطار، دأب النظام العسكري بالجزائر على تشويه سمعة مناضلي الحركة الأمازيغية بالقبايل وبعدها بمنطقة مزاب، وذلك من خلال نشر الإشاعات والأخبار الزائفة التي تدعي أن أهداف هؤلاء هي الانفصال وضرب الوحدة الوطنية، وأن مطالبهم هي مطالب أقليات زائغة وخائنة ارتمت في "أحضان الصهيونية" وبعض "الأطراف الخارجية" ولا تعدو أن تكون أداة لتنفيذ "أجندة أعداء الوطن"، وهي إستراتيجية أتت أكلها ومكنت النظام في العديد من المحطات النضالية من إقبار الحركات الاحتجاجية التي كانت تستند في عمقها على مطالب هوياتية في ارتباط وثيق مع مطالب اجتماعية وسياسية تهم مجمل المجتمع الجزائري تجد أسبابها في طبيعة النظام الديكتاتورية..
وكثيرا ما كان نظام العسكر الجزائري، يلجأ إلى بعض العناصر المسخرة من طرفه بهدف اختراق الحركات الاحتجاجية من خلال القيام بأعمال شغب وإحداث أعمال تخريب وسطو على الممتلكات العمومية والخاصة، أو اختلاق حزازات بين مكونات المجتمع الجزائري، بالتركيز على الطابع الإثني والعنصري للاحتجاجات(عربي/أمازيغي أو سني/إباضي) وهو ما نجح فيه إلى حد كبير في احداث غرداية التي لا يزال مناضليها يقبعون في سجون النظام وعلى رأسهم الدكتور كمال الدين فخار..
وبنهجه هذا، تمكن النظام العسكري والمخابراتي بالجزائر من اختراق الحركة الأمازيغية بالقبايل وبالشاوية، وجعل مطالبها تبدوا كأنها مطالب تخص أقلية من الشعب الجزائري، وبالتالي قطع الطريق أمام المواطنين في باقي الجهات والولايات حتى لا تسند هذا الحراك وتنخرط فيه..
كما أن هذه الإستراتيجية الجهنمية، مكنت النظام في العديد من المحطات الاحتجاجية، من الاستفراد بالمسؤولين عن هذه الحركات الاحتجاجية بعد فصلها عن باقي مكونات الشعب الجزائري لتسهل عليه عملية قمعها وإسكات صوتها..
وهي نفس الإستراتيجية التي يعتمدها النظام الجزائري لشرعنة ردود فعله القمعية والوحشية تجاه من يسميهم بـ"مثيري الشغب" وكل من يرغب في "زعزعة الاستقرار"، ومن تم إظهار تجاوزاته وخروقاته لأدنى مبادئ حقوق الانسان، بمثابة إجراءات عادية وشرعية تقتضيها شروط وظروف مواجهة "الأخطار التي تحدق بالوطن".
وتأتي تصريحات وزير الداخلية الجزائري، نور بدوي، لتؤكد هذا المنحى، حيث أن سيادة الوزير اتهم أطرافا لم يسمها بمحاولة "زعزعة الاستقرار"، مؤكدا أن حكومة بلاده "ستتصدى بحزم لكل التجاوزات"، وذلك ردا على أحداث العنف التي وقعت يوم الاثنين 2 يناير الجاري بمدينة بجاية، عاصمة القبايل الصغرى، وبالعديد من المدن والقرى شمال البلاد.
وقال نور الدين بدوي، أمس الثلاثاء 3 يناير الجاري، تعليقا على هذه الأحداث "إن تبني سياسة التخريب وغلق المحلات التجارية أمام المواطنين هو فرض رأي بالقوة والعنف ويعد أسلوبا غير حضاري". مضيفا أن "غلق المحلات تم فرضه بالقوة وطرق عنيفة"، معتبرا أن "قانون المالية 2017 لم يمس بالقدرة الشرائية للمواطن"، وهي مقدمات خطيرة لما ينتظر أبناء بجاية، والمناطق المنتفضة، من قمع وتنكيل في الأيام المقبلة، وهو ما أكده وزير الداخلية الذي توعد "بالرد بقوة على أحداث العنف"، مضيفا أن "الدولة سترد بيد من حديد على كل من يحاول زعزعة الاستقرار أو المساس بأمن البلاد."
وكان تجار ولايتي بجاية والبويرة قد أغلقوا محلاتهم، يومي الاثنين والثلاثاء، استجابة لنداء الإضراب الذي تمت الدعوة إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن مدينة بجاية عاشت ليلة ساخنة، يوم الاثنين، بعد أن انتشرت أعمال التخريب والنهب، همت مقرات بعض الشركات كما هو الشأن لشركة "كوندور"، والشركة "الوطنية للتبغ والكبريت" ومقر أحد الأبناك الخاصة، بالإضافة إلى تكسير محطات للحافلات وإشعال النيران في حاويات القمامة والإطارات المطاطية...
وكان نشطاء جزائريون دعوا، على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى إضراب عام لتجار الجملة والتجزئة، تزامنا مع إعلان قانون المالية الجديد، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع في الولاية، كما شهدت مدينة غرداية (أو تاغردايت بالامازيغية) عاصمة مزاب، إضرابا عاما أغلقت فيه جميع المحلات التجارية دون تسجيل أية أحداث شغب أو تخريب..
وفي تعليق له على أحداث بجاية، وتحت عنوان "صناعة الفوضى!!"، كتب صالح عبونة، عضو الحركة من أجل الحكم الذاتي بمزاب واللاجئ السياسي بالمغرب، على حسابه بالفيسبوك، أن "أحداث التخريب والنهب والحرق التي وقعت أول أمس ببجاية أثناء بداية الإضراب الوطني والعصيان المدني السلمي، كانت مفتعلة من طرف عصابات إجرامية ومرتزقة لكسر الحراك السلمي الحضاري الذي انطلق من القبايل الأحرار لكي يتم تشويههم وعزلهم عن الولايات الأخرى."
فالمواطن البسيط الذي يطالب بحقه، يضيف عبونة، "لا يستطيع فعل مثل هذه الجرائم أمام أعين قوات الأمن الجزائرية وأمام الكاميرات!!"، مشيرا إلى أن هذا الأمر هو "نفس السيناريو الذي وقع في أحداث تغردايت (غرداية) من نهب وتخريب وحرق أمام قوات الشرطة والدرك!! لإرغام الشعب بقبول تلك العصابة الحاكمة او سيكون مصير البلاد الفوضى والخراب!!".