احتضن مقر جمعية، قيل إنها حقوقية، يوم 24 دجنبر الجاري، الجمع العام التأسيسي لجمعية مثليين وملحدين، أطلق عليها اسم جمعية أقليات، حيث يروّج القائمون على هذه المبادرة بأنهم أقلية مضطهدة في المغرب، وبالتالي هم بحاجة إلى إطار مؤسساتي يحميهم قانونيا ويؤطر أنشطتهم تنظيميا.
مبدئيا، أنا لست ضد الحريات العامة ولا ضد حق الجميع في التجمع والتنظيم؛ فهذه حقوق تكفلها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ويكفلها الدستور المغربي. كما أنني أناضل يوميا من أجل اكتساب مزيد من الحقوق والحريات بالمغرب؛ لكن المشكلة تكمن في الطابع العدائي والعنصري لأهداف القائمين على هذه المبادرة ضد العقد القيمي المشترك الذي يجمع المغاربة ويضمن لهم أساس التعايش والعيش المشترك، وتناقضها الصريح مع أساسيات النظام العام، التي يقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضرورة مراعاتها وفق المادة التاسعة والعشرين، مما يدفعنا إلى اعتبار المبادرة مجرد مناورة جمعوية رخيصة، يسعى أصحابها إلى توظيف مبادئ حقوق الإنسان لضرب القيم المشتركة للشعب المغربي، في مسعى مكشوف لخدمة أجندة من يمول أنشطتهم هاته. وكل ادعاءات أصحابها ومن يناصر أفكارهم، القائلة باضطهاد هذه الفئة، هو محض افتراء وتجنّ على المجتمع قبل تجنيهم على القانون، وعلى الدولة ومسؤولياتها في هذا الاتجاه، على اعتبار أنه شتان بين احترام حق الفرد في اختياراته الشخصية وبين منحى المأسسة والخروج إلى العلن لفئة تناوئ الشعب المغربي في قيمه وأخلاقه وقناعاته.
ينبغي علينا أن ندرك أن لا أحد فينا، كناشطين حقوقيين، يملك تفويضا من الشعب المغربي، المتشبع بقيمه، لمعاكسة هويته؛ فهذه المبادرة استفزاز للمجتمع ومثار صراع داخلي لا طائل منه، فضلا عن أن المبادرة في تناقض صريح وتام مع مقتضيات الدستور المغربي، ومع قانون الحريات العامة، والقانون الجنائي. كما أن هذه المبادرة من شأنها أن تتسبب في شرخ خطير في النسيج الاجتماعي للشعب المغربي. وبالتالي، يمكن اعتبارها خطوة شديدة الخطورة على السلم والأمن الاجتماعيين ببلادنا.
لذلك، فمبادرة هؤلاء سوف تتسبب في خلق حالات الاضطهاد في حق هذه الفئات غير المنسجمة مع مجتمعها واشتداد وطأتها. وبالتالي، علينا الاعتراف بأن مبادرة تأسيس هذا النوع من الجمعيات إنما يسعى أصحابها إلى فرض ما يمكن أن نسميه بالتطبيع مع مخلفات الفساد بكل تجلياته، والتطبيع مع آفات اجتماعية ونفسية شاذة. وكان من الأفيد العمل على دراستها، ومعرفة السبل الكفيلة لمعالجتها كظواهر اجتماعية ونفسية غير سوية، باعتبارها نتاج للعديد من الأعطاب المجتمعية، ذات الطبيعة السياسية والفكرية والسلوكية، بسبب تراكم مظاهر التهميش والحكرة والفساد والاستبداد، تسبب في تخلي العديد من الأسر المغربية والمؤسسات التعليمية والمحيط الاجتماعي على المناهج التربوية السليمة وقيم الانضباط. كما أن فئة الملحدين ليسوا بالضرورة معتنقي فكر الإلحاد والعلمانية، بما للكلمة من معان ودلالات؛ بل هم فئة يعشقون الاستهتار بالقيم الإسلامية، ويرفضون القيود المجتمعية مهما كانت طبيعتها، فإذا كان اختيارهم رفض عقيدة الإسلام حقهم لا غبار عليه من الناحية الحقوقية، فإن تصريحاتهم وسلوكياتهم مرضية بامتياز، لأنها ببساطة تنطوي على ازدراء الدين الإسلامي. كما ترى في الحرية المطلقة المبدأ الأصلي لحقوق الإنسان، والحال أن حقوق الإنسان مبنية على متلازمة الحقوق والواجبات، حيث إن حرية الشخص تنتهي حين تبدأ حرية الآخر.
وإذا كانت هناك من مؤشرات لهذه المبادرة، فإنني أكاد أجزم بأن المجتمع المغربي سوف ينظر إلى المدافعين على حقوق الإنسان بصفة عامة وكأنهم دعاة للتفسخ والانحلال الأخلاقي والقيمي. كما أن أساليب هؤلاء تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن اللهث وراء التمويل الأجنبي جعل القائمين على المبادرة ومن يدعمهم يبيعون قيمهم ويتنصلون من المسؤولية المعنوية القائمة على عاتقهم إزاء مجتمعهم.
وشخصيا، أرفض مقارنة المغرب ببلدان أوربية أو أمريكية أخرى، فكل شعب له قيمه، كما أن له تاريخ وتراث وثقافة، ولا يحق لأي شخص أو جماعة أن تعاكس رصيد المجتمع الذي تعيش في كنفه.
الحركة الحقوقية المغربية بكل أطيافها مدعوة إلى الإسهام في تأهيل وتطوير واقع حقوق الإنسان، انسجاما مع تطلعات الشعب المغربي، مصدر الإرادة الحقيقية والسلطة الحقيقية، وليس خدمة الأجندات الأجنبية المكشوفة.
وللأسف، فهذه الموجة من الانفتاح الحقوقي، الذي شهده المغرب، كانت من تداعياتها سقوط مهمة الدفاع على حقوق الإنسان في أيادي عبثية. وبات من هب ودب يدعي النضال الحقوقي، دون مراعاة لقواعد أو ضوابط، تؤطر لأقوالهم وأفعالهم. ونحن اليوم نجني ثمار هذا الخيار، المفعم بخرجات ومواقف غير منسجمة مع تطلعات الشعب المغربي.
*أكاديمي وناشط حقوقي