بقلم محمد أبويهدة
لا يمكن بأي حال اعتبار تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط مجرد زلة لسان، فالهجوم على دولة جارة لم تنبس ببنت شفة طوال الحملة التي شنتها البوليساريو عليها وعلى علاقتها مع المغرب، ليس من الأخلاق الديبلوماسية في شيء، لاسيما أن التوتر بلغ مداه في منطقة الكركرات بفعل استفزاز ميليشيات الانفصاليين، وفي الوقت الذي انصرف كل من المغرب وموريتانيا إلى احتواء الوضع ومواجهة الاستفزازات الانفصالية واللوبي الجزائري بديبلوماسية الصمت والتعبير بين الفينة والأخرى على احترام علاقات الأخوة التي تجمع البلدين، جاءت تصريحات شباط لتنهل من الإشاعة المغرضة كي تصنع وضعا متوترا التقطه اللوبي الجزائري ليعيد استغلاله وتوظيفه حسب مصالحه الخاصة.
هذه التصريحات جاءت بعد أيام من تصريحات أخرى وردت على لسان عبد الاله بن كيران تجاه روسيا، التي اعتبرها مسؤولة عن المآسي الانسانية التي وقعت في حلب، الشيء الذي كاد أن يفجر أزمة ديبلوماسية، لولا احتواء الوضع من طرف الخارجية المغربية، التي تداركت زلة ابن كيران ببلاغ يثمن العلاقات المغربية الروسية، ثم أعادت الكرة أول أمس عقب تصريحات شباط المعادية لموريتانيا.
لكن إلى متى ستظل وزارة الخارجية تلعب دور الإطفائي الذي عليه أن يتدخل بالسرعة اللازمة ،لإخماد الحرائق قبل أن تتوهج وتأتي على الأخضر واليابس في علاقاتنا الدولية؟
العلاقات التي تربط المغرب مع عدد من الدول لا تشبه بأي حال علاقاتنا ببعضنا البعض، ذلك أن ما قد يصيبها من أعطاب بسبب سلوك أرعن أو زلة لسان، يكلف بلادنا الشيء الكثير لإصلاحه، ويهدد مصالحها، ويؤثر على وضعها الاعتباري في المنتظم الدولي، ويشوش بالخصوص على قضيتنا الأولى التي مازلنا نشحد الدعم لحلها بشكل نهائي.
المشكل أن الأشخاص الذين تعول عليهم البلاد من أجل التصرف بحكمة وقيادة ديبلوماسيتها الموازية، أصبحوا هم أنفسهم مصدر متاعب، وهو ما يقلص من قيمتهم السياسية، سواء كانت تصريحاتهم عن جهل أو كرد فعل أو بسبب لحظات ضعف أو جاءت في إطار حسابات سياسية معينة.
ولعل أكبر دليل على ذلك، هو ردود الفعل السريعة التي أعقبت بلاغ وزارة الخارجية، والتي بدت كمؤشرات على تراجع قيمة وموقع حميد شباط في المشاورات المقبلة الخاصة بتشكيل الحكومة، وتأثير ذلك على حزبه الذي ظل عبد الاله ابن كيران متشبثا بإشراكه في الحكومة المقبلة. وذلك بالرغم من أن حزب الاستقلال حاول أن يعالج زلته ببيان لجنته التنفيذية التي سارت على خطى الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عندما ردت على بلاغ الديوان الملكي بتبني تصريحات أمينها العام، وكذلك فعلت اللجنة التنفيذية للاستقلاليين.
ولا أعتقد أن رئيس الحكومة المكلف سيستمر في الدفاع عن خصمه السابق وحليفه الحالي بنفس الحماسة التي جعلته يوقف المشاورات إلى أن حثه المستشاران الملكيان على التعجيل بالخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه. وهاهي زلة لسان شباط جاءت لتنقذ المشاورات وتدفع بها للخروج من حالة البلوكاج المفتعلة.
لقد صدق المغاربة عندما قالوا منذ القدم: «ميات تخميمة وتخميمة.. ولا ضربة بمقص». خاصة إذا كان هذا المقص بين يدين لا تحسنان استعماله.