كتبنا قبل مدة افتتاحية تحت عنوان وتساؤل "متى يبدأ بنكيران المفاوضات لتشكيل الحكومة؟"، وكان قصدنا هو أن تبتعد الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة عن القصف الإعلامي وتوجيه الاتهامات، والجلوس إلى طاولة التفاوض وفق منهجية وقواعد واضحة، أي أن الأحزاب التي ستشكل الأغلبية لا بد لها من التوافق على طبيعة الشركاء وتتوافق على طبيعة مهام الحكومة وفق استراتيجية الدولة المغربية، ولا ننسى أن الاستراتيجيات الكبرى أكبر من الحكومة كما يوضح ذلك دستور المملكة كأسمى وثيقة يتحاكم إليها الجميع.
أولى قواعد تشكيل الحكومة هو البحث عن أغلبية منسجمة، ولا يعني الانسجام أن يكون هذا الطرف أو ذاك مشاركا، ولكن بما أن حزب العدالة والتنمية هو الفائز بالرتبة الأولى، وهو الذي من حقه دستوريا أن يقود الحكومة، فعليه أن يختار أغلبية تتوافق والتوجهات المقبلة للمغرب.
فوز البيجيدي بالرتبة الأولى لا يعطيه حقا في تشكيل حكومة على الهوى ولكن حكومة طبقا لمنهجية واضحة تحترم خصائص تشكيل الأغلبيات في النظم الديمقراطية، حيث لا يمكن اعتبار دار بنكيران مثل دار أبي سفيان من دخلها فهو آمن، ولكن من حق الداخلين أن تكون لهم شروط مع من يُفترض أن يكونوا شركاء في المستقبل.
المغرب له توجهات استراتيجية لا يمكن غض الطرف عنها، وتشكيل حكومة ترضي الأحزاب السياسية بينما البلاد تنتظر حكومة قوية تقوم بتفعيل التوجهات الاستراتيجية للمغرب، التي حددها جلالة الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الذي ألقاه من العاصمة السينغالية داكار، والتي شدد فيها على ضرورة الاهتمام بإفريقيا، التي زارها مرات عديدة وأطلق فيها العديد من المشاريع.
إذن الحكومة المقبلة هي حكومة تعرف أن توجهات المغرب موجهة للاستثمار أكثر من أي شيء آخر، وبالتالي على بنكيران ألا يبحث عن أحزاب ترضيه ويرضيها ولكن عن أحزاب حتى لو لم تكن ترضيه ويرضيها لكن قادرة على تحمل مسؤولياتها في هذا السياق، وتتوفر على الأطر التي يمكن أن تقوم بهذه المهمة.
ليس مهما أن يحوز الحزب مهما كان على مقاعد وزارية مهمة ولكن المهم أن تكون لديه الأطر القادرة على إدارة الوزارات، وليس عيبا أن يستعيرها من المجتمع أي من خارج الحزب إن لم يكن يتوفر عليها، فمثلا إذا حاز حزب على وزارة كبيرة مثل التجهيز والنقل وبحث داخل أطره ولم يجد من هو مؤهل لهذا المنصب فلا بأس من أن يأتي به من خارج الحزب، وهذا يحصل في كل بلدان العالم.
فتجربة خمس سنوات أوضحت أن أبناء العدالة والتنمية كانوا مجرد وزراء متدربين يتقاضون رواتب سمينة من الخزينة العامة، وأغلبهم لم ينجحوا في تدبير القطاعات التي تولوها بل منهم من أفسد الوزارة من خلال تعيينات تعتمد المبدأ الحزبي بدل الكفاءات.
لهذا الانسجام الحكومي ضرورة ملحة ويخضع لمنطق التفاوض.
Annahar almaghribiya