بعد شهرين ونصف من تعيين عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها من قبل جلالة الملك محمد السادس، لم يتمكن من تركيب أغلبية قادرة على التفاوض على الحكومة، فجاء التدخل الملكي من موقع سلطة التعيين، التي منحها الدستور للملك، وبالتالي لا يمكن الذهاب بعيدا في التأويلات، لأننا لم نخرج بعد من الفصل 47 من الدستور، وكنا في النهار المغربية قد فصلنا بتدقيق في سلطتي الاقتراح والتعيين.
وقلنا في افتتاحية صادرة يوم التاسع نوبنر الماضي " رئيس الحكومة يمتلك سلطة الاقتراح والملك يمتلك سلطة التعيين، وسلطة التعيين حاكمة على سلطة الاقتراح" و "من يمتلك سلطة التعيين لا يمكن أن يكون عمله شكليا للتوقيع آخر اللحظة على لائحة الوزراء. ولكن لا بد أن يكون فاعلا في الاختيار. ومن هذا المنطلق على الفاعل السياسي أن يفهم أن المشاورات والمفاوضات ينبغي أن تكون في اتجاهين. اتجاه نحو الأحزاب واتجاه نحو القصر".
سلطة التعيين لا تتدخل في سلطة الاقتراح إلا من حيث وضع المسالك لاختيار النخب والمعايير لوضع الوزير المناسب في المكان المناسب وفق مبدأ الكفاءة. هذا المبدأ يفترض في الحزب الذي لا يتوفر على أطر مناسبة لتدبير سياسة قطاعية معينة أن يبحث عنه وسط أطر من المجتمع وهي متوفرة وغير مسيسة.
لقد وضع جلالة الملك في خطاب المسيرة من داكار أمام بنكيران خارطة طريق واضحة وما عليه سوى أن ينسى ما قام به ويبدأ من جديد وسيصل إلى المحطة سالما، وعليه أن يضع نصب عينيه أن هناك التزام ملكي بعدم السماح بتشكيل حكومة خارج المعايير.
الرسالة الملكية وصلت لبنكيران عن طريق مستشارين هما عبد اللطيف المنوني وعمر القباج. نفسهم من ذلك أن المشكل تقني وليس سياسيا، ولو كان كذلك لبعث الرسالة مع فؤاد عالي الهمة أو الطيب الفاسي الفهري. أي أن المشكل في تدبير المفاوضات وليس في تأويل الدستور. المشكل في رئيس الحكومة المعين وليس في وهم يسميه "التحكم".
المنوني فقيه في الدستور والذي ترأس لجنة الصياغة وبالتالي فإنه جاء ليشرح لبنكيران كل المقومات الدستورية لتشكيل الحكومة وحتى السلط المحيطة بذلك، وقلنا في الافتتاحية المذكورة "أصحاب الفهم الدستوري الأعوج لا يذكرون أن الدستور يعتبر الملك هو رئيس مجلس الوزراء. ويطالبون منه ألا يتدخل في تشكيل الحكومة. وهنا قمة التناقض. مجلس الوزراء يضم رئيس الحكومة ووزراؤه وبنفس المرتبة. كيف يترأس الملك مجلسا لا دخل له في تشكيله؟ هل يقبل العقل والمنطق مثل هذا العمل؟".
الشخصية الثانية من مشتاري الملك هو عمر القباج. رجل مال واقتصاد واشتغل مديرا للبنك الإفريقي ويعرف جيدا التوجهات المالية للقارة السمراء، التي اشترط جلالة الملك على أي حكومة مقبلة وضع استراتيجيتها وفق تصور الانفتاح على إفريقيا باعتبارها أولوية الأولويات.
كما لا ينبغي أن ننسى الأبعاد الرمزية للقاء باعتبار الملك هو ضامن استمرار المؤسسات، حيث سيتم تسريع وتيرة تشكيل الحكومة وهذا ما سنراه في مقبل الأيام.