... في بلدي، يمكنك أن تكون أي شيء، شريطة ألا تكون أنت. أن تكون مع أو تكون ضد، لكن الأهم... ألا تكون مع نفسك. في بلدي... يجب أن تنتمي للقبيلة، كي تكون فردا.
أن تقول إنك ضد مستغلي الدين في السياسة، يعني أنك مع أعداء الله. وأن تكون ضد عبث سياسي يمارس بمنطق "ماخلاوناش نديرو"، فأنت مع التحكم. أن تنتقد بنكيران، فأنت مع الدولة السرية التي قال بنكيران إنها موجودة وإنه لا يعرف من يسيرها. أن تكون ضد "حزب يريد أن يكون حداثيا بقوة الأعيان وحرفيي السياسة" فهذا يعني إنك رجعي ومحافظ وأنك... مع بنكيران.
... أنت ضد فكرة... إذن أنت ضد شخص... وأنت تابع لشخص
هو في النهاية، ليس منطق تجاذب وصراع. هو منطق القطيع فقط.
منطق، يجعل الكثيرين، يدافعون عن الفكرة وعكسها في جملة. في كلمة. في ذات الزمن والشروط.
قبل أيام، عبر الكاتب المغربي "الطاهر بن جلون" عن رأي، قد نختلف معه أو نتفق، لو كان المطروح للنقاش أصلا هو رأيه...
الطاهر بن جلون، قال:
"إن أغلبية (رجاء تذكروا فقط كلمة "أغلبية" هذه) المغاربة صوتوا لحزب إسلامي متخلف ورجعي وعنصري ومعادي للمثليين، لأنهم غير متعلمين ولا يعرفون ما هي قيم الديمقراطية الحقيقية".
هنا... قامت القيامة على الطاهر بن جلون، ولم يناقشه الكثيرون فيما قال، ولكن... سبه وأهانه الكثيرون
مالذي حدث إذن؟
مثقف مغربي، عبر عن رأي قد يزعجنا أو يروق لبعضنا، دون أن يناقشه الكثيرون في وجهة نظره، ليفضلوا أن ينهالوا عليه بالسب والشتم.
من هم أكثر هؤلاء الذين "شمروا عن ألسنتهم" ضد بنجلون؟
هم ببساطة، الذين اعتبروا أن العدالة والتنمية مستهدف من طرف الطاهر بن جلون في إطار مؤامرة أكبر يديرها التحكم والدولة العميقة وداكشي... لكن، هل هناك سابقة أخطر مما قاله الكاتب المغربي حول هذا الموضوع؟
طبعا... هناك سابقة. وسابقة أخطر بكثير من كلام كاتب مغربي.
أواخر مارس 2015، وخلال ندوة شارك فيها بكلية الآداب بالمحمدية (على ما أذكر)، قال وزير العدل مصطفى الرميد (وزير العدل ورجل الدولة والمؤسسات... ما شي كاتب يعبر عن وجهة نظر): "القضاة والمحامون لم ينضجوا بعد لدرجة دعم بعض مطالبهم الإصلاحية"
ثم... لأن عدم النضج أصلا لم يكن كافيا ... أضاف الرميد، وهو يبرر رفضه لانتخاب الرئيس الأول و الوكيل العام لمحكمة النقض، أن:
"القضاة جزء من المغاربة، ونحن (تذكروا هاد "نحن" رجاء) لم نصل في ثقافتنا إلى تحمل هذه المسؤولية الجسيمة"
ولكي يختم كلامه... قال وزير العدل ببساطة:
"من سينتخب..؟ إذا كنا عاجزين على انتخاب منتخبين جمعويين، فكيف سنكون قادرين على انتخاب الرئيس الأول والوكيل العام ؟"
الطاهر بن جلون، قال إن (أغلبية المغاربة) صوتوا لحزب إسلامي متخلف ورجعي وعنصري ومعادي للمثليين، لأنهم غير متعلمين ولا يعرفون ما هي قيم الديمقراطية الحقيقية (علما أن الحديث عن "اغلبية" هنا هو أصلا مغالطة لأن الحصول على الرتبة الأولى في الانتخابات لا يعني الحصول على الأغلبية اصلا) . و(أغلبية) المغاربة هنا، لديها علاقة مباشرة بالأغلبية التي صوتت، والتي منحت أصواتها للبيجيدي... وبنتائج الانتخابات الأخيرة. فقط.
أما... السيد وزير العدل المغربي والزعيم البيجيدي، فقال ببساطة إن القضاة جزء من المغاربة، "ونحن" لم نصل في ثقافتنا إلى تحمل هذه المسؤولية الجسيمة"... أي أن السيد الوزير، يقول إن "نحن/كل المغاربة" (وليس أغلبية المصوتين كما قال الطاهر بن جلون) لا يجيدون ممارسة الديمقراطية... وأضاف، إن "نحن/كل المغاربة" عاجزون عن انتخاب منتخبين جمعويين فكيف يمكنهم أن يكونوا قادرين على انتخاب منتخبين أهم"
دابا... إذا أردنا فعلا أن نناقش الأفكار. هل تعتقدون أن وجهة نظر الطاهر بن جلون (الكاتب والمثقف المغربي) الذي اعتبر فيها أن حصول حزب معين على الأغلبية له علاقة مباشرة بمستوى التعليم والمعرفة... هل تعتقدون أن وجهة النظر هذه، هي أخطر مما قاله وزير العدل ورجل الدولة والمؤسسات حين اعتبر أن كل المغاربة لم ينضجوا بعد لتحمل مسؤولية التصويت والاختيار؟
أليس ما يقوله الرميد هنا، أخطر بكثير مما قاله كاتب مغربي لا يمثل الدولة ومؤسساتها؟
بطبيعة الحال، ما قاله الطاهر بن جلون، وجهة نظر أعتبرها شخصيا، وجهة نظر تبسيطية لأسئلة وإشكالات يجب أن تناقش في مستوى أكثر تعقيدا وشمولية. ليست "أغلبية" المغاربة فقط من صوتت لحزب أو فكرة قد تبدو لنا سيئة. "أغلبيات" أوربية وأمريكية (متعلمة ومتربية على الديمقراطية) صوتت وتصوت لأحزاب وأفكار بشعة. وبالتالي النقاش هنا، ليس نقاش مستوى التعليم فقط، ولكن نقاش معنى السياسة والحالة الثقافية والمجتمعية والاقتصادية...
عكس ذلك... ما قاله السيد وزير العدل، هو بالفعل أمر كارثي. فحين يقول سياسي/رجل دولة إن كل المغاربة لا يجيدون التصويت ولم يصلوا في ثقافتهم إلى تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، فهو هنا يقتل فكرة السياسة أصلا، ويجعل التصويت، الذي هو الآلية المباشرة لممارسة السياسة والديمقراطية، مجرد آلية شكلية، معطوبة وغير ذات مصداقية.
من هنا...
انهال الكثيرون بالسب والقذف على الطاهر بن جلون، بالمقابل لم ينبسوا ببنت شفة، حين اعتبرهم الرميد مجرد كائنات غير ناضجة وفاقدة للأهلية.
لم يتكلموا في أمر الرميد... لأن النقاش في بلدي اليوم أمرمحسوم:
واش انت معانا ولا مع الاخرين؟
بقلم هشام روزاق