مر أكثر من شهرين على الانتخابات التشريعية، ولم تظهر الحكومة الجديدة بعد، ولا لاحت ملامحها. المغرب يعيش حالة انتظار وغموض عميقة، تصير مقلقة مع مرور الوقت. ولأن السخرية والتسفيه أفضل طريقة لتنفيس الأزمات، صار جزء من الرأي العام يقول: “البلاد غادية بلا حكومة وبخير”.
عبد الإله ابن كيران لم يقدم، إلى حدود الآن، تفسيرا رسميا، واضحا ومقنعا، لـ”فشله” في تشكيل الفريق الحكومي الذي سيدبر جزءا من شؤون المغاربة في السنوات الخمس المقبلة. كل ما يصل إلى الرأي العام هو فتات أخبار، وكومة تصريحات وتسريبات وقراءات واجتهادات واستيهامات ومحاولات استمالة إلى هذا الخندق على حساب آخر.
أمام حالة “الانسداد” هذه، نجح البعض في أن ينصب (بضمة على الياء طبعا وليس بفتحة، مع جواز الحالتين وتقاربهما!) نفسه ملمّحا رسميا (وليس ناطقا رسميا) باسم حزب العدالة والتنمية وباسم عبد الإله ابن كيران، وباسم الديمقراطية نفسها. هذا البعض، المصاب بـ”مرض الكذاب”، كما كان حميد شباط في الماضي القريب ينعت حبيبه الجديد ابن كيران، صدق أنه بالفعل مكلف بمهمة تصريف مواقف البيجيدي، والدفاع عنه، بدعوى الدفاع عن “الشرعية” وحماية “الصناديق”، كما لو أن من يختلف مع البيجيدي في التقدير يعارض هذا الأمر، أو أن “الدم الديمقراطي” يجري فقط في عروق بعض من تربى باللحية أو إلى جانبها، وهذا نوع من “التكفير المعنوي”.
هذا البعض انتقل من محاولة التحليل وتقديم عناصره إلى محاولة التوجيه، بل وتقديم “التوجيهات” التي ينبغي أن يلتزم بها رئيس الحكومة، وهي “توجيهات” تخرج على شكل أوامر، بما أن صاحبها فاقد للأناقة اللغوية.
هكذا تحولت بعض الافتتاحيات والمقالات والتصريحات إلى ما يشبه بيانات لجناح سري داخل حزب العدالة والتنمية، تسعى إلى توتير الأجواء، وتوريط الرجل، أكثر مما تنجح في الدفاع عن “شرعية الصناديق”، مستوردة مفاهيم من الشرق، حتى والديمقراطية نموذجها في الغرب!
القدر قسا على ابن كيران حين اختطف منه الراحل عبد الله بها. وربما، مع مرور الوقت واشتداد وتوالي الأزمات، يحس الرجل بنفسه محتاجا إلى “الحكيم” أكثر. إلى حدود الآن لا يظهر أنه يوجد داخل حزب العدالة والتنمية من هو قادر على لعب هذا الدور، والذي يعرف البيجيدي يعرف أن قياداته وقواعده، وإن تدثرت بشعار “الرأي حر والقرار ملزم”، وبتغليب “الديمقراطية الداخلية”، فإنها تساهم، من حيث تدري أو لا تدري، في تضخيم “أنا” ابن كيران لا غير، فيما هو يحتاج إلى من يقوم مقام الراحل بها الذي كان يقول عنه: “إن اعوججت يقومني، وإن نسيت يذكرني، وإن أخطأت يصوب لي”.
من يقوم اعوجاجات ابن كيران الآن؟ من يذكره إن نسي الآن؟ من يصوب له إن أخطأ الآن؟ لا أحد على ما يبدو، لكن، في المقابل، هناك من يسعى إلى توريطه، أو بلغة المغاربة “كاين اللي كيبيعو العجل”، خصوصا تلك الفئة التي تجعل منه مطية لتصريف حساباتها مع جهات أخرى. بعبارة أخرى، هناك من يحاول أكل الثوم بفم ابن كيران. والأخطر من هذا وذاك هو توهيم ابن كيران بأنه بطل ورجل مثالي لا يخطئ، ليس حبا فيه وإنما لصرف الأنظار في اتجاه الضفة الأخرى.
مثلما غير ابن كيران شكل نظاراته قبل سنوات، ربما يحتاج إلى تغيير سمكها هذه المرة، فنظاراته الحالية لا تساعده على رؤية الحقيقة كلها، بقدر ما تريه ما يحب أن يرى فحسب، وربما وما يريد له آخرون أن يرى.
حان الوقت، ربما، ليقتنع ابن كيران بأنه ما خاب من استشار، وبأنه لا عيب في الاستعانة بخبراء في كل المجالات، يستشيرهم في ما يجهله، ويطلب رأيهم فيما لا يتقنه، أما “البلابلا” السياسية، التي يحترفها بعض المحيطين به، فلا تعني القدرة على التسيير وعلى التدبير وعلى التخطيط. تدبير الحكومة ليس حلقة نقاش في ساحة الجامعة حتى يحسم فيه محترفو “نقط النظام”.
صناديق الاقتراع أعطت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، والملك طبق الدستور وكلف أمينه العام بتشكيل الحكومة، والبلاد في حاجة إلى حكومة حقيقية، تضم الكفاءات وليس مجرد منخرطين في ناد لمحترفي السياسة. هذه هي الحقائق الثابتة، أما الباقي فمجرد تفاصيل، لكنها تفاصيل تلعب فيها، وبها، الشياطين لتظهر على شكل ملائكة.
رضوان الرمضاني
#مجرد_تدوينة